د. امديرس القادري
حالة الوضوح التي أصبحت تغطي مجريات الحدث الفلسطيني صرنا نشعر معها أننا في غنى عن وضع المقدمات، و بالتالي فإن هذه السطور تسعى لإماطة اللثام عن الاداء الراهن للمعارضة الفلسطينية التي لا تزال تعلن التمسك بمنظمة التحرير وعلى الاخص من زاوية حقيقة الوجود وفاعلية الدور، وليس لنا من غاية جراء هذا التناول سوى الإسهام الموضوعي في لفت الانتباه إلى الضعف والعجز الذي بات يسيطر على الواقع الفلسطيني الداخلي المنهك والمنقسم، لأن الاستمرار في ذلك لن يلحق الا المزيد من الضرر بالنضال الوطني وهذا ما يريده ويتمناه عدونا الصهيوني في نهاية المطاف.
إذا سلمنا جدلا أن منظمة التحرير التي قادت النضال الفلسطيني على كل الاصعدة والمستويات ولمدة زادت عن الاربعين عاما، فسنجد أن الحقائق والوقائع الماثلة أمامنا ما عادت تقبل بهذا التسليم لأن دور هذه المنظمة انتهى و تلاشى و آن الاوان للبحث عن الاداة الجديدة، فالمشهد الذي نراه اليوم يختلف جذريا عن ذلك الذي كان يسود بالامس، ولن يكون هنالك من انحياز أو تجنٍ على أحد إذا ما جرى الإقرار والاعتراف بوجود جناحان للجسد الفلسطيني، فكما هي فصائل – الداخل – التي كان يتكون منها الوضع التنظيمي الداخلي لمنظمة التحرير، فهناك بالمقابل فصائل – الخارج – التي لم يكتب لها منذ ولادتها و تأسيسها أن تنخرط في صفوف هذه المنظمة، وبالتالي فقد شقت طريقها وقامت بممارسة نضالها ودورها بعيدا عن المنظمة وكل مؤسساتها وأجهزتها وليس في ذلك من خلل أو نقيصة.
الحقيقة الأخرى التي علينا التسليم بها تدلل على أن هذه المنظمة قدمت وناضلت وإنتهت بسبب التخريب السياسي والوطني الذي أقدمت عليه ذات الادوات التي قامت بالتأسيس والبناء، فالبرنامج الذي كبلوا أنفسهم به اليوم الآن ما عاد ينسجم مع الاهداف والشعارات التي قامت المنظمة من أجلها.
المضحك والمبكي في ذات الوقت هو ما تحاول القيام به بعض فصائل هذه المنظمة من دور معارض لسلطة رام الله وحكومتها، خاصة إذا ما أقر الجميع بأن هذه "السلطة" أصبحت ترى في وجودها بديلا كاملا عن هذه المنظمة ومؤسساتها، وبغض النظر عن هذا التمسك الشكلي الذي تحاول إظهاره لهذا المستوى أو ذاك لكي تداري وتغطي على عورتها المكشوفة تماما وبعد كل التداعيات والمنزلقات التي وقعت بها منذ مؤامرة أوسلو ومدريد وحتى يومنا الراهن.
هذه القوى " المعارضة " وعلى الاخص الجبهتان الشعبية والديمقراطية عليهم الاعتراف بأن ضرراً كبيراً أصابهم جراء تمثيل هذا الدور المعارض "للسلطة"، وتراجع وانخفض ذلك الوزن والثقل الذي كانتا تحتلانه في مراحل ماضية، هذه التنظيمات كتبت بذلك على نفسها جراء هذا التمثيل المكشوف " صكوكا " عديدة أدت إلى تحولها للموقع الهامشي حجما وفعلا، وما عاد دورها يبتعد عن وظيفة تجميل وجه هذه "السلطة" وبرنامجها بالرغم من بيانات ومواقف " الفرقعة الصوتية " التي قد تخرج عنها بين الحين والاخر، إن اعتماد هذه القوى على تمويل "السلطة" لها لا بد أن يكون له ثمن سياسي ووطني، وهذا ما لا يمكن لهذه " المعارضة " إنكاره أو إدارة الظهر له وبعد أن قبلت على نفسها أن تكون جزءا لا يتجزأ من منظومة هذه "السلطة" وأجهزتها. المعارضة الخجولة و الناعمة من هذه القوى "للسلطة" ودائما على قاعدة " المسايرة " التي تحكم العلاقة بين الطرفين انكشفت تماما أمام عودة الدوران لعجلة المفاوضات المباشرة بين هذه "السلطة" والعدو الصهيوني، وبناء على ذلك ما عدنا نفهم شيئا من مواقف هذه المعارضة التي تداخل كثيرا رأسها مع ذيلها، وهذا ما يمكن أن يعبر عنه المثل الشعبي الذي يقول " تريد الزواج وتخاف من الحبل " !، فتارة نسمع أنها لم تصوت مع الذهاب للمفاوضات وبالتالي فإن عباس عندما قرر الذهاب لم يكن يتسلح بإجماع هذه الفصائل، وتارة أخرى تقول أنها ليست ضد المفاوضات ولكن الالية التي أخذ بها القرار من "السلطة" لم تعجبها، مواقف فارغة لا حصر لها هي محصلة ما أقدمت عليه هذه المعارضة حتى وصلنا أخيرا إلى التهديد بالتجميد و الفرزنة للعضوية في اللجنة التنفيذية للمنظمة لأنها " حردانة " من هذا الذي أقدمت عليه "السلطة"، والحرد كما عبر عنه أحد الكتاب مؤخرا هو في الحقيقة " دلع " لا يمكن تحرير الوطن المغتصب من خلاله، وهنا تكمن المصيبة والكارثة في سياسة ومواقف هذه الفصائل التي لا تزال تكابر وتدعي أنها ثورية!!.
القمع الذي تعرضت له قيادات هذه المعارضة في رام الله مؤخرا من صبيان عصابات أجهزة أمن هذه "السلطة" عندما حاولت التعبير عن رأيها في هذه المفاوضات، كنا نتوقع له أن يشكل " صحوة ضمير " عند هذه المعارضة فتعلن عن فكاكها وتحررها من مستنقع هذه "السلطة"، ولكن وللأسف لا تزال هذه المعارضة تعلن أنها تواصل دراسة أخذ الموقف المطلوب حيال ما يجري في داخل أروقتها الداخلية، وهم بذلك يتناسون أن الديك الفصيح من البيضة يصيح.
نصيحة مجانية وللتاريخ وبتفكير واضح وشفاف أدعو من خلالها هذه القوى إلى الخروج الفوري من بيت المنظمة المنهار ووضع اليد بقوة مع أيدي المعارضة الوطنية الفعلية من فصائل – الخارج – والاعلان عن ولادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني بالبرنامج السياسي الوطني المقاوم، وهذا إن تم سيكون كفيلا بأن يعيد إلى هذا الصراع أمجاده التي يحاولون القفز عنها و اغتيالها.