لا تتردد (إسرائيل) في مواجهة السلطة بشتى الوسائل الممكنة، بما فيها المالية والقضائية والاقتصادية، في حين أن السلطة لا تقوى على اتخاذ أي قرار خشن اتجاه الاحتلال، ما دفع الأخير إلى التغول على الحق الفلسطيني بصورة غير مسبوقة.
وفي آخر الإجراءات الإسرائيلية، قررت محكمة الاحتلال المركزية في القدس المحتلة إدانة السلطة الفلسطينية بالمسؤولية عن سلسلة عمليات نفذتها فصائل منظمة التحرير وحركتا حماس والجهاد الإسلامي عام 2000.
في حين ذكر موقع "سيروجيم" العبري أن محكمة الاحتلال أدانت السلطة الفلسطينية بالمسؤولية عن (17) عملية فدائية نفذت خلال الانتفاضة الثانية، فيما تجري المداولات داخل محاكم الاحتلال منذ حوالي (20) عامًا حول مدى مسؤولية السلطة الفلسطينية عن هذه العمليات ومقدار التعويضات التي يجب دفعها لكل مستوطن تضرر من هذه العمليات.
وقالت محكمة الاحتلال في قرارها إن منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية التي كان يرأسهما الرئيس الراحل ياسر عرفات مسؤولتان عن التخطيط لعمليات فدائية، وتمويل المقاومة والمساعدة بالحصول على أسلحة.
وفي التعقيب على ذلك، قال صالح النعامي الكاتب المختص في الشؤون الإسرائيلية، إن قرار محكمة الاحتلال اللوائية في القدس يمثل حدثا تأسيسيا، وحسب القرار، فإن منظمة التحرير تعتبر مسؤولة عن العمليات التي تمت خلال انتفاضة الأقصى وبالتالي ستتحمل دفع تعويضات.
وأضاف النعامي أن القرار يسمح بملاحقة قادة المنظمة، ما يعني استنزاف خزانة السلطة ماليا وتوسيع الحصار السياسي عليها، في ظل الظروف السياسية الحالية التي تمر بها القضية الفلسطينية.
وفي تفاصيل الحكم، قال المحامي جواد بولس إن القضية لا تزال في المحكمة وإن هناك محاولات إسرائيلية يمينية لتحميل السلطة مسؤولية مالية عطفا على هذا القرار، مضيفا أن هذه الملفات موجودة أمام المحكمة منذ ما يقرب من 20 عاما، وخاصة الملف الذي قدمته عائلة الجندي "فاديم نورزيتز" الذي قُتل في رام الله.
وأكد أن جوهر النقاش القانوني تناول مسؤولية السلطة الفلسطينية عن الهجمات التي وقعت خلال الانتفاضة، حيث خلصت المحكمة في نهاية المطاف إلى وجود مسؤولية مباشرة عن تلك الهجمات ويتعين على المحكمة الآن تحديد مقدار الضرر الذي يتوقع أن يصل إلى مليار شيكل وفقا للدعوى.
وبحسب المصادر العبرية فإن السلطة الفلسطينية ليست دولة وليس لديها حصانة سيادية، وبالتالي يتم تقديم دعوى مدنية في (إسرائيل)، فيما شهدت المراحل الأولى من القضية، مصادرة وزارة المالية الإسرائيلية أموال بلغ مجموعها 64 مليون شيكل إسرائيلي لصالح عائلة الجندي "نورزيتز".
وفي التعقيب على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن إن لدى (إسرائيل) توجه استراتيجي في المرحلة الحالية، يقضي بالضغط المستمر على السلطة من أجل حشرها في الزاوية، وإبقائها أمام قرار المزيد من التنازلات لصالح الاحتلال، وفي هذه المرحلة تعتمد (إسرائيل) مبدأ الاستنزاف المالي للسلطة بصفته عصب الحياة لها.
وأضاف محيسن في اتصال هاتفي مع "الرسالة" إن الاحتلال يسعى دائما لإبقاء السلطة في حاجته في مختلف الاتجاهات، ويجبرها على الوفاء بالتزاماتها الأمنية والسياسية المطلوبة منها في ساحة الضفة، برغم كل حالة القطيعة الظاهرة إعلاميا، وبالتالي يستخدم كل الأدوات في سبيل ذلك، بما فيها الملف القضائي.
وأوضح أن السلطة دائما بحاجة لرضى (إسرائيل) وهو هدف تسلك الأخيرة مسارات عدة للإبقاء عليه، في حين تسعى قيادات السلطة للحفاظ على الامتيازات والمصالح الخاصة القائمة في الضفة الغربية، ومستعدة لتقديم أي شيء في مقابل إنهاء التهديدات التي تمس هذه المصالح.
وأكد أن كل هذه الضغوطات الجديدة التي تم فرضها في الأشهر الماضية ستصبح من الماضي، في حال توقفت السلطة عن السير في اتجاه معاكس للرغبة الإسرائيلية والأمريكية، وهذا ما يجري الحديث عنه حاليا، بعودة علاقات السلطة بالإدارة الأمريكية إلى سابق عهدها.