على أبواب إجراء الانتخابات الإسرائيلية، استهدف جيش الاحتلال مجموعة من المواقع العسكرية التابعة لحزب الله وإيران في سوريا، حدث نبش برسم الواقع عديد التساؤلات حول تداعيات حالة التسخين في الجبهة الشمالية ومدى أثرها تجاه نشوب حرب جديدة تبدأ من الشمال.
وترافق الاستهداف مع تقدم في عمليات محور المقاومة، وإعادة انتشار التموضع الإيراني وقوات حزب الله في عديد المناطق الاستراتيجية على مشارف الجبهة الشمالية لـ(إسرائيل).
ونمت بذور القلق الإسرائيلية من الوجود العسكري الإيراني وحزب الله، مع نشوء معادلة الجولان، وما نشرته "المؤسسة الإسرائيلية" من تقارير عديدة أبدت فيها خشيتها وتخوفها من حراك الحزب تحديدا في جبهة الجولان، تلك الجبهة التي دقت طبول الحرب أكثر من مرة على وقع اغتيال قيادات وازنة من حزب الله في مقدمتهم الشهيدان جهاد مغنية وسمير القنطار.
ورغم حالة التحشيد المستمرة من الطرف الإسرائيلي تجاه المنطقة الشمالية، وحالة التسخين التي تشهدها المنطقة، إلّا أنه يمكن رصد عدد من الأسباب والاعتبارات السياسية والميدانية التي تساهم في لجم الوصول إلى مواجهة مفتوحة.
ومن أبرز هذه الأسباب والعوامل.
1 – حجم القوة النارية الممكنة من طرف أعضاء المحور في حال اندلاع مواجهة جديدة، لا سيما في ضوء مستجد الإعلان عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة تضم جميع أطراف المحور، والانتشار الكبير لقوات المحور في البحر الأحمر من جهة اليمن، وهو الخطر الجديد أمام الناقلات الإسرائيلية، إضافة إلى انضمام غزة لجبهة العمليات، وأثر كل ذلك على مصالح الاحتلال بالمنطقة برمتها.
2- العجز الإسرائيلي بدراسة حجم انتشار رقعة الزيت، فحدود المواجهة عند نقطة الحسم يعني أن جميع الأطراف ستشارك، تبعا للتصريحات المعلنة لقيادات الجبهات المنضوية تحت المحور، رغم ربط قرار المشاركة برؤية القيادة الخاصة بالجبهة.
3- التقدم العسكري والتقني في ظل العجز الاستخباري الإسرائيلي حول طبيعة هذا التطور، وما باتت تملكه أطراف المحور، خاصة مع الاستهداف الإسرائيلي المباشر للقوات في العراق، وهو بالضرورة فتح لجبهة جديدة.
4- الأزمة الإسرائيلية الداخلية، وهي التحدي الأخطر الذي يلقي بظلاله على تقدير الموقف الإسرائيلي تجاه الاندفاع نحو سياسة الحرب المفتوحة، وعجز المؤسسة الإسرائيلية في التعبير عن قدرتها على استيعاب النتائج المحتملة والمتوقعة والتي قد تؤدي بالضرورة إلى إلحاق الهزيمة السياسية بنتنياهو تحديدا ووضع حد لعمره السياسي في حال الهزيمة.
5 – على صعيد أطراف المحور، فإنها تتمسك بمبدأ المواجهة ضمن قواعد المواجهة والاشتباك التي ترسمها دون الانجرار إلى تلك التي يرسمها العدو، ضمن قاعدة "القتال ضمن مربعك وأهدافك وأولوياتك"، ما يعني أن الأطراف لن تنجر إلى مواجهة مرسومة بأهداف نتنياهو.
6- ويمكن القول إلى جانب ما سبق أنّ عملية الاستهداف المتكرر لمواقع المحور في سوريا، كانت مضبوطة ضمن إيقاع ميداني لم يجر في أقسى أحواله مع رحيل أبرز قادة المقاومة إلى حرب مفتوحة.
7- إلى جانب الاهتمام العملياتي للمحور في رصد نشاطات الاحتلال وخطة الإعداد في الجبهة الشمالية، إلا أن أطرافه تعتقد أن عملية الاستهداف جزء من محاولة عرقلة إتمام العمليات العسكرية هناك، والحيلولة دون تقدمها العسكري، ما يفرض عليها التمسك بضبط إيقاع المواجهة ضمن استكمال عملياتها داخل سوريا.
8- إضافة لما سبق، فإن حرص "المؤسسة الإسرائيلية" تجنب الإعلان عن الأهداف السياسية في المواجهة ضمن استخلاصاتها لتوصيات لجنة "فينو غراد" التي شكلت على إثر الإخفاق السياسي والأمني والعسكري الإسرائيلي في حرب 2006م.
9- وتبرز البيئة السياسية المحلية في لبنان كأحد أبرز وأهم العوامل التي تكبح مفاعيل الرد المباشر في ضوء تفاقم التباينات السياسية الداخلية، ومحاولة حزب الله إيجاد بيئة سياسية وازنة للمواجهة تفاديه حالة الاتهام من خصومه بجر لبنان نحو المواجهة.
وفي ضوء ما تقدم فإن معايير وعوامل عسكرية وسياسية عديدة لا تزال تشكل لجامًا للمواجهة المفتوحة، وتكبح جماحها إلى حين.