التقاعد المالي يذبح موظفي السلطة تحت مقصلة العقوبات على غزة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

الرسالة- محمد عطا الله     

منذ أكثر من عامين، تذبح قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله موظفيها خاصة الذين ما زالوا على رأس عملهم؛ بعد فرضها للتقاعد المالي ضمن سلسلة العقوبات التي تفرضها على قطاع غزة منذ أبريل 2017.

ويعد التقاعد المالي شكلا من أشكال التقاعد القسري -غير القانوني- الذي تفرضه الجهات المسؤولة وهو يسبق المدة الزمنية القانونية للتقاعد الطبيعي، ويستهدف تقليص رواتب الموظفين الذين هم على رأس عملهم لقرابة النصف، في ابتزاز وإذلال غير مسبوق بتاريخ السلطة منذ نشأتها.

ودفع هذا الأمر إلى استياء وغضب عشرات آلاف الموظفين الذين أُحيلوا للتقاعد المالي، ومازالوا على رأس عملهم، حيث بدأوا بالتعبير عن جام غضبهم عبر الهاشتاق الذي أطلقوه #يسقط_التقاعد_المالي، معتبرين أن تلك الإجراءات تعد أبشع المجازر الإنسانية بحق موظفي قطاع غزة.

ظلم وجريمة

ويقول المدرس رياض شحادة إنه تفاجأ قبل عامين بإحالته للتقاعد المالي وهو لا يزال على رأس عمله ولم يبلغ العمر القانوني للتقاعد، فيما بات يواجه مصيرا وظيفيا مجهولا بعد خدمة في قطاع التربية والتعليم لأكثر من عشرين عاما.

ويُبدي الخمسيني شحادة في حديثه لـ "الرسالة" امتعاضه الشديد من الإجراءات التي اتخذتها السلطة بحقهم، لاسيما أنهم موظفون مدنيون يقدمون خدمة للطلاب، بينما أصبحوا اليوم يتقاضون راتبا تقاعديا لا تتجاوز نسبته 50%.

ويعتبر الرجل الذي يُعيل خمسة أبناء أن ما يجري ظلم كبير بحقهم وإهانة للمعلمين الموظفين بعد سنوات طويلة من خدمتهم للوطن، مطالبا السلطة بضرورة التراجع عما يسمى بـ "التقاعد المالي" الذي بات سيفا مسلطا على رقابهم.

ويقول المهندس حسين النبيه مدير عام الشؤون الفنية بسلطة الطاقة بغزة إنه لا يوجد أي قانون ولا منطق يبرر هذا التصرف، متسائلا في الوقت ذاته: " كيف يعقل أن الموظف الذي يجلس في بيته يتقاضى راتب أكثر من الذي يعمل وعلى رأس عملهم؟".

ويوضح النبيه أنه على رأس عمله ويتابع المشاريع الممولة من الدول المانحة ويوقع على مستخلصات المقاولين بملايين الدولارات ويتم تكليفه يوميا بأوامر مباشرة من رئيس سلطة الطاقة، "ومع كل هذا منذ يوليو ٢٠١٧ نحن متقاعدين ماليا".

الجدير ذكره أن حكومة رام الله السابقة برئاسة رامي الحمد الله، أحالت جميع موظفي سلطة الطاقة وبعض موظفي وزارة الصحة ووزارة التعليم وبعض الوزارات الأخرى، للتقاعد المالي ابتداء من يوليو 2017 دون سند أو مرجع قانوني ومنذ ذلك الوقت بقي هؤلاء على رأس عملهم رغم الصعوبات والضائقة المالية التي يعانون منها".

وبعد موجة الغضب العارمة من آلاف الموظفين، أعلنت حكومة رام الله عن تشكيل خلية أزمة لحل مشكلة الرواتب والتقاعد المالي لموظفي غزة.

وقال مستشار رئيس حكومة رام الله عبد الإله الأتيرة في تصريح صحفي إن موضوع التقاعد المالي للموظفين المدنيين والعسكريين، قيد المناقشة مع كافة الجهات، "ولن يكون هناك أي مظلمة لأي شخص أو موظف من أبناء قطاع غزة.

ويأتي هذا الإعلان بعد أن فتح عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، مفوض التعبئة والتنظيم بالحركة في قطاع غزة، أحمد حلس، النار على حكومة رام الله، واصفا إياها بأنها لم تُنفذ الوعود وتمارس التمييز بين الموظفين في الضفة والقطاع.

وقال حلس إن التقاعد المالي جريمة ترتكب بحق الموظفين، وأضاف: " لا يوجد مبرر للتقاعد المالي"، متسائلاً باستهجان: كيف لموظف على رأس عمله أن يُحال للتقاعد ويمنع من كل الحقوق؟

وتابع: "ما يجري الآن قطع رواتب لأعداد كبيرة من الموظفين، ولا يوجد مبرر أو سبب أمني لقطع الرواتب، فخيرة أبناء فتح ومنظمة التحرير يتم قطع رواتبهم"، متسائلاً: "من هو صاحب هذه التوصية؟".

آثار كارثية

من ناحيته يؤكد الخبير والمختص في الشأن الاقتصادي د. معين رجب أن تطبيق التقاعد المالي له آثار كارثية على عشرات الآلاف من أسر موظفي السلطة الفلسطينية خاصة في قطاع غزة، مشيراً إلى أن أكثر من 30 ألف موظف جرت إحالتهم للتقاعد دفعة واحدة أو خلال فترات محدودة.

ويوضح رجب أن الهدف من التقاعد المالي التقليل من قيمة المبلغ التقاعدي حسب الفترة الزمنية التي قضاها الموظف في وظيفته بشكل قانوني وللتخفيف عن كاهل الموازنة العامة للسلطة، وهذا الأمر يقلل من مستحقات الموظفين ويقلل فجوة العجز في موازنة السلطة.

ولفت إلى أن هيئة التقاعد لا تستطيع استقبال هذه الأعداد الكبيرة دفعة واحدة والتي تقدر بعشرات الآلاف، لذلك وزارة المالية تتحمل قيمة التقاعد حتى يتم تسوية ملفاتهم في هيئة التقاعد.

ووصف حالة الموظف الفلسطيني بـ"المعلق" فهو لم يتقاعد رسمياً ولم ينتقل ملفه إلى هيئة التقاعد، ولكن تم التوافق على تقاعده مالياً، مشيراً إلى أن التقاعد المالي يؤثر سلباً على الموظف وأسرته الفقيرة أصلاً، فهو سيزيد من فقرهم ومعاناتهم.

البث المباشر