فتحت مبادرة الفصائل التي طرحتها لإنهاء حالة الانقسام بين حركتي فتح وحماس المستمرة منذ منتصف عام 2007، الجدل القديم الجديد حول ازمه المصالحة التي لا تتم رغم عشرات الاتفاقيات بين الجانبين وتعدد المرجعيات والرعاية العربية للمسألة التي باتت من أعقد القضايا في الساحة الفلسطينية.
وتقدمت ثمانية فصائل فلسطينية بما سمتها "المبادرة الوطنية لتحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام الفلسطيني"، وحثت في مؤتمر صحفي حركتي فتح وحماس على استئناف مباحثات المصالحة، والالتزام بالاتفاقيات الموقعة لإنهاء حالة الانقسام السياسي المستمر منذ منتصف العام 2007.
الفصائل صاحبة المبادرة هي: الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وحزب الشعب الفلسطيني، وحركة المبادرة الوطنية، والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا)، والجبهة الشعبية-القيادة العامة، وطلائع حرب التحرير الشعبية.
بنود الاتفاقية لم تحمل أي جديد وهي تكرار لكل الاتفاقيات والمبادرات السابقة حيث حمل نص المبادرة أن "اتفاقيات المصالحة الوطنية الموقعة من الفصائل في الأعوام 2005، 2011، 2017، في القاهرة واللجنة التحضيرية في بيروت 2017، مرجعا لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، إلى جانب "عقد اجتماع لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية "الأمناء العامون" خلال شهر أكتوبر 2019، في العاصمة المصرية القاهرة بحضور الرئيس محمود عباس، وتكون مهام الاجتماع الاتفاق على رؤية وبرنامج واستراتيجية وطنية نضالية مشتركة".
وتشمل المبادرة تشكيل حكومة وحدة وطنية تحضر لانتخابات شاملة رئاسية وتشريعية ومجلس وطني تحت إشراف لجنة الانتخابات، خلال العام 2020.
اللافت في بنود المبادرة أنها تعالج القضايا الأهم في الانقسام لكن دون توضيح كيف يمكن إجبار الطرفين على القبول بها وتطبيقها، خاصة أن البنود تكرار لعشرات الاتفاقيات الفاشلة التي لم تنجح في إنهاء حالة الانقسام رغم وجود ضغط عربي في مراحل عدة.
موقف حركة حماس من المبادرة كان إيجابيا منذ البداية فقد أعلن رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية "موافقة حركته على مبادرة الفصائل الفلسطينية لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام بالرغم من بعض الملاحظات البسيطة والمتواضعة عليها".
وقال إن حماس "درست المبادرة ونظرت إليها بعمق في الداخل والخارج، انطلاقًا من تقديرها للظرف الراهن وما يحيط بنا من تهديد استراتيجي حقيقي".
في المقابل تعاملت حركة فتح بتعال مع الفصائل وبنود المبادرة وقال عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير، والمركزية لحركة فتح، عزام الأحمد: إن مبادرة الفصائل بشأن المصالحة "غير مُجدية".
وأوضح الأحمد أن الانقسام بين الفصائل ليس صناعة فلسطينية، بل صناعة النظام العربي الرسمي وقوى إقليمية ودولية.
ردود الأفعال الأولية على المبادرة تعكس بوضوح مواقف الطرفين، وطريقة تعاطي كل من الفصيلين مع ملف المصالحة منذ سنوات فحماس تتعامل بإيجابية مع المبادرات عامة، في حين تتعالى فتح في الرد أو القبول بالمبادرات الفصائلية وحتى العربية.
ويشير موقف فتح المتعالي والمتلكئ في الرد على المبادرة إلى أن فرص تطبيق بنودها وإنهاء الانقسام تبقى ضعيفة للغاية نظراً للحالة القائمة التي تؤكد بأن الطرفين ما زالا يمتلكان توازنا في القوى إلى حد كبير ما يجعل فرص ترجيح طرف على الآخر أو تنازل أحدهما ضعيفة وبالتالي من الصعب أن تنجح المبادرة.
من ناحية أخرى فإن هناك ازمه حقيقية لها علاقة بالفصائل الأخرى ذاتها والتي طرحت المبادرة على اعتبار أنها جزء من المشكلة وليس الحل كونها عجزت طوال سنوات الانقسام عن أن تشكل بيضة القبان أو تكون طرفا ثالثا ضاغطا ينهي حالة الثنائية ويرجح الكفة لاحد الأطراف وينهي الأزمة.
ويمكن أن تقدم لنا الحالة الداخلية الإسرائيلية القائمة اليوم عقب نتائج الانتخابات نموذجا واضحا، حيث أن الكتلتين الأكبر في الكنسيت "الليكود" وحزب "أبيض أزرق" غير قادرتين على حسم قضية الحكومة بدون التكتل اليهودي الثالث حزب ليبرمان، والذي بات يشكل بيضة القبان التي لن يتمكن أي حزب من تشكيل حكومة بدونها.
نموذج ليبرمان ربما يشكل مفتاح الحل للأزمة الداخلية الفلسطينية، وإذا كان هناك حاجة لمبادرة فيجب أن تبدأ من الفصائل نفسها قبل طرفي الانقسام بحيث تعيد الفصائل حساباتها وسياستها وحينما تصبح قادرة على أن تشكل بيضة القبان حينها فقط يمكن الضغط على طرفي الانقسام وإجبارهما على تطبيق أي مبادرات.