قائد الطوفان قائد الطوفان

تاريخ ضائع بين مشتر وبائع

في غزة.. قطع أثرية مبعثرة في يد "مجموعات خاصة"

في غزة.. قطع أثرية مبعثرة في يد "مجموعات خاصة"
في غزة.. قطع أثرية مبعثرة في يد "مجموعات خاصة"

 الرسالة نت - رشا فرحات  

 في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، أنشأ وليد العقاد متحفه الخاص الذي يحتوي على عشرات القطع الأثرية التي تعود لحقب تاريخية قديمة، ممددة في حديقة منزله وصولا إلى غرفة مساحتها لا تتعدى 4*4 تتكدس فيها قطع لا يقدر بعضها بثمن ومنها ما يعود تاريخه للعصر الكنعاني، بالإضافة إلى أوراق ومقتنيات، كلها جمعت في ظروف تفتقر إلى أبسط المواصفات التي يتطلبها حفظ مثل هذه القطع والمخطوطات.
استطاع العقاد خلال 35 عاما، جمع ألفين وثمانمائة قطعة أثرية بمجهوده الشخصي، منتظرا أن تتبنى أي جهة فكرة إقامة متحف وطني في مدينة خانيونس كي ينقل إليه كل ما يملكه من آثار على حد قوله.
ويؤكد العقاد على أن ما يقوم به يأتي للحفاظ على القطع الأثرية من السرقة أو الاندثار، منوهاً إلى انه يقوم بالدور الذي من المفترض أن تقوم به وزارة السياحة، التي تبارك وتثني على عمل ما أطلقت عليه الوزارة "مجموعات خاصة"، معتبرة أن ما يقدمونه مساعدة يشكرون عليها في ظل عدم قدرتها على الحفاظ على هذه القطع أو إقامة متحف وطني لاحتوائها والحفاظ عليها من الضياع.
هذا التحقيق يسلط الضوء على هذه "المجموعات الأثرية الخاصة" التي أخذت على عاتقها جمع بعض القطع الأثرية المتناثرة هنا وهناك، ونتساءل ما مدى الأحقية القانونية لهؤلاء باقتناء مثل هذه القطع؟ ولماذا لم تعكف الحكومة على إنشاء متحف وطني يحفظ لغزة تاريخها الطويل؟

نص القانون

المستشار القانوني في وزارة السياحة في رام الله الدكتور احمد الرجوب، وضح في مكالمة معه بعض التفاصيل حول تعامل القانون مع مقتني الآثار، حيث أشار إلى أن ما يسري حاليا القانون الأردني لعام 1966 في الضفة الغربية، والبريطاني لعام 1929 في قطاع غزة، وكلاهما يتعامل مع الآثار كجزء من الملكية العامة، ويمكن للمؤسسات أن تقتني القطع على سبيل الإعارة من الحكومة والمواطن لا يسمح له.
وعن الفرق بين الآثار والتراث قال: إن الآثار كل أثر يرجع لقبل 1700 م والتراث لبعد 1700 م، والقانونان جوهرهما واحد وأساسهما القانون البريطاني، وما تم تعديله شكلي ولم يغير في جوهره.
وعن عقوبة مقتني الآثار يقول: "القانون لا يغطي التراث، والعقوبة فقط لمقتني الآثار، ودائما قبل تطبيق أي قانون، يكون هناك أنظمة وإشعارات لأي شخص بحوزته آثار بوجوب مراجعة لجنة الآثار".
أما فيما يخص العقوبة "هناك مادة تعالج بشكل واضح الاتجار بالآثار ولكن جمدتها السلطة الوطنية في عام 1994، والعقوبات تتفاوت بناء على الطريقة والحجم، وحسب وضع الحالة هل كانت مستوردة او غير مستوردة."

متاحف خاصة

ومثل العقاد، يقتني عدد من الأشخاص في قطاع غزة عشرات القطع الأثرية التي تعود إلى عصور قديمة، لدى بعض منهم متحفه الخاص الذي يحوي قطعا معروضة اشتراها في الغالب بماله الخاص أو عثر عليها في محاولة تنقيب.
ويكدس هؤلاء، وهم من غير المختصين في مجال الآثار، آلاف القطع الأثرية داخل منازلهم التي حولوا أجزاء منها إلى متاحف خاصة يسمح لأي فلسطيني أو زائر لغزة الاطلاع عليها.
وبينما أكد العقاد استحالة بيعه لقطعة من مقتنياته إلا أنه لفت في نفس الوقت إلى أن هناك من باع بعض القطع الأثرية بمبالغ مرتفعة، دون أن يكشف عن هوياتهم.
وخلال بحثنا استطعنا الوصول الى أحد هؤلاء الجامعين للقطع الأثرية وحصلنا منه على اعتراف خلال جولة في متحفه الخاص يفيد بيعه لسلسلة من القطع النقدية بمبلغ ثلاثة آلاف دولار لأحد تجار الآثار الذي باعها لآخر في دولة خليجية بعشرة آلاف دولار. 
ومن الملفت أننا حينما قابلنا افراداً من "المجموعات الخاصة" لم يأت أي منهم على ذكر متحف وطني بل طرح بعضهم الفكرة كأمنية ولم يتحدث أي منهم عن اتفاقية مع وزارة السياحة باقتناء القطع الأثرية على خلاف ما كانت وزارة السياحة قد أكدته عام 2015 على لسان نائب مدير عام الآثار في وزارة السياحة أحمد البرش عن اتفاقية مع الأفراد مقتني الآثار تقضي بعدم البيع أو التصرف بأي قطعة أثرية.
وأكد البرش في ذلك الحين أن هناك اتفاقية للبدء بإنشاء متحف وطني خصصت له قطعة أرض على مساحة خمسة دونمات، ولكن بعد مرور أربع سنوات على ذلك الحديث لا وجود للمشروع على أرض الواقع.
ويلفت البرش على أنه حديثا تم الاتفاق مع المجموعات الخاصة على ذلك، وبأن كل قطعة وسمت برقم لحفظها وتحصينها من البيع، وكل القطع لدى المجموعات الخاصة مرقمة بالتعاون مع وزارة السياحة التي تشرف عليها بين الفترة والأخرى، لافتا إلى أن أي قطعة تباع سوف تعرض صاحبها للعقوبة! من خلال عمليات التفتيش.
الغريب في الأمر أنه لا أحد من هؤلاء الأفراد تحدث عن تعاون مع وزارة السياحة للبدء بإنشاء المتحف الوطني، الذي تحدث عنه البرش، والذي لم يتحقق حتى الآن رغم مرور أربع سنوات على المقابلة، التي جددتها معدة التحقيق لاحقا مع وزارة السياحة كما سيرد في سياق هذا التحقيق.

بأي صفة

المختص في علم الآثار ناصر اليافاوي أشار إلى رصد عمليات تهريب سنويا من قطاع غزة، لافتا إلى أنها خطة ممنهجة رسمت على يد موشيه ديان، رئيس أركان جيش الاحتلال سابقاً، الذي يعتبر أكبر سارق للآثار الفلسطينية بإشراف فرقة ممنهجة استهدفت آثار غزة تحديدا.
وأضاف: "من خلال اطلاعي، نهبت الكثير من الآثار قبل اتفاقية أوسلو والكثير من المعالم تم طمسها على يد اللصوص المتعاونين مع الاحتلال وهناك تقارير تقول إن أكثر من مئة ألف قطعة أثرية تهرب إلى الخارج من قطاع غزة سنويا."
وعن "المجموعات الخاصة" يوضح اليافاوي: "هناك مجموعة من العائلات في غزة تقتني آثارا فردية في المقاهي والبيوت والمنتجعات بدون أي حق، وهذا ليس قانونياً!" متسائلا: "أين الوزارة؟ وهل يحق لعائلة فلان أن تتملك قطعة أو تسرق تاريخا؟ وهل هو تراث عائلته؟ حسب قوله.
ويضيف اليافاوي: احتمالية تهريب القطع الأثرية واردة، خصوصا إذا كان الأمر مشاعا والآثار تعاني من الإهمال، بل بعضها يكب في النفايات، وتتناقله الأيدي من هنا وهناك بكل فوضوية، ولا يهتم بها المسؤولون."
ويلفت اليفاوي إلى أن المواقع الأثرية كثيرة في منطقة أثرية كقطاع غزة، ولم ينقب حتى الآن سوى عن 1% فقط من الأماكن الأثرية في القطاع، وبشهادة الجميع فإنها تعرضت للسرقة كثيرا، منها المكشوف وغير المكشوف، هذا بالإضافة إلى عروض على شبكات التواصل الاجتماعي، لبيع الأثريات، ومحال تجارية لبيع التحف والأنتيكة تعرض في واجهاتها قطعا أثرية عمرها يصل لأكثر من ألف عام على حد قوله.

خارج غزة 

ولعل الاسم الأكثر شهرة في "المجموعات الخاصة" هو جامع الآثار جودت الخضري مالك فندق المتحف في غزة الذي يعرض بعضا من القطع الأثرية التي حصل عليها من خلال تنقيبه الفردي عن الآثار.
وكان الخضري قد شارك في معرض للآثار في جنيف عام 2006 بعرض ثلاثمئة قطعة أثرية بإشراف من وزارة السياحة وموافقتها إلا أن بعض هذه القطع لم تعد إلى قطاع غزة برفقة الخضري لأسباب لا تعلمها الوزارة كما قال نائب مدير عام الآثار أحمد البرش في مقابلة مع الرسالة.
وأكد البرش أن الوزارة لا زالت تحتفظ بصور هذه القطع، والأوضاع السياسية كانت عائقا أمام قدرة الوزارة على إعادتها، كما أن وزارة السياحة لا تعلم شيئا عن الاتفاقية لأن السلطة هي من عقدتها، وسمحت للخضري بعرض القطع الأثرية في الخارج.
وبحسب أحمد البرش فإن المعرض أقيم في 2006 وحسب المعلومات لدى وزارته فان القطع كان يجب أن تعود في 2008 لكنها لم تعد! 
ويقول البرش: بعد الانقسام خاطبنا تلك الجهات المعنية، ولم تستجب لنا الدول المستضيفة إلا بموافقة وزارة الخارجية التابعة للسلطة في رام الله، وبعد تسلم حكومة الوفاق طالبنا الوزارة في رام الله بالعمل على استعادة تلك القطع من معرض جنيف ولكن لم تنجح كل المحاولات حتى الآن باستعادتها.

وزارة السياحة مجبرة 

جامع الآثار وصاحب المتحف الخاص في خانيونس وليد العقاد أكد في حديثه لنا "وجود قطع معرضة للسرقة وعملية الشراء والبيع تتم بسهولة، الأمر الذي أثار لدينا تساؤلات عدة حول تطبيق القانون، وآلية التعامل مع الأنواع المختلفة من القطع الأثرية، وحول دور وزارة السياحة في الإشراف على عمليات الاقتناء للحفاظ عليها، وإمكانية عرض القطع في قصر الباشا بصفته المتحف الحكومي الوحيد خصوصا أن مقتنيها لم يعارضوا ذلك، سيما أن المتحف شبه فارغ تقريبا من القطع.
أسئلة طرحتها معدة التحقيق على جمال أبو ريدة مدير عام الآثار في وزارة السياحة الذي نوه في هذا السياق إلى ما يعتبره الأثريون أمرا خطيرا وهو عدم معرفة الوزارة لعدد مقتني الآثار أو ما يطلق عليهم" المجموعات الخاصة".
وبلغ عدد المسجلين في وزارة السياحة عشر مجموعات تتواصل معهم الوزارة باستمرار لحصر القطع الأثرية واستعارتها للعرض في معارض تابعة للوزارة.
ويرى أبو ريدة "استحالة جمع كل القطع لعرضها في معرض تابع للوزارة أو في قصر الباشا لأن هذا النوع من المعارض يحتاج لحراسة مكثفة، ومبنى بصفات خاصة ليضمن سلامة القطع وعدم وصول اللصوص إليها، وهو ما لا تقدر على تكاليفه وزارة السياحة على حد قوله.
واستنكر أبو ريدة فكرة انتزاع القطع الأثرية من مقتنيها، "لأن الوزارة لا تستطيع تعويضهم عن القطع التي بحوزتهم! واكتفت بالعلاقة الطيبة مع المجموعات حتى يتم تأسيس متحف وطني لجمع القطع، ووفقا للقانون مطالبة بتعويضهم ماديا إذا أخذت منهم هذه القطع."
وعن ضمان عدم تصرف المقتنين بالقطع، قال أبو ريدة: "هؤلاء الأشخاص يعلمون جيدا أن البيع ممنوع، وقد قامت الوزارة بترقيم القطع الأثرية لديهم بالإضافة إلى أنهم يأتون لتسجيل القطع التي يشترونها في سجلات الوزارة أولا بأول." 
وفي رده على مسألة تأخر انشاء المتحف الوطني بالرغم من توفر المخططات والمساحة يلفت أبو ريدة إلى أن "الفكرة توقفت نظرا لتكلفة المشروع الباهظة، فرغم أن اليونسكو تدعم ماليا أحيانا، لكنها لا تكفي إلا لترميم أماكن صغيرة جدا.
ويلفت أبو ريدة إلى أن الانقسام ساهم في توقف الدعم وتأخره وتأجيل كثير من المشاريع ومنها فكرة المتحف الوطني، بالإضافة الى عدم استقرار الوضع الأمني، فغزة منطقة حروب وقد نخاطر بجمع القطع في مكان واحد فتكون معرضا للقصف والتدمير" على حد تعبيره.
ويبدو أن الوزارة تعتمد على صدق وحسن نوايا المجموعات خاصة" في التبليغ عن قطعهم الجديدة، إلا أنها لا تضمن عدم التصرف بها، وهو ما عبر عنه أبو ريدة ضمناً برفضه التعليق على أن بعض أصحاب هذه الآثار تحدث عن بيع وشراء بكل بساطة، وأن أحدهم اعترف بأنه باع سلسلة قطع نقدية نادرة بثلاثة آلاف دولار لتهريبها إلى خارج القطاع.
وفي رده على قضية بقاء بعض القطع الأثرية التي أخرجها جودت الخضري أحد المهتمين باقتناء القطع الأثرية الى خارج القطاع قال أبو ريدة:" لا نعلم تفاصيل الاتفاقية التي سمحت له بالسفر لعرض القطع في الخارج." 
نفي أبو ريدة يتناقض مع اعتراف سابق لوزارة السياحة على لسان أحمد البرش بأن القطع لم تعد منذ ذلك اليوم قبل عشر سنوات.
كان من الواجب العودة والحديث عن تلك القضية حيث نفى علاقته بالموضوع هذه الفترة وأكد بأنه بيد مدير عام الآثار جمال أبو ريدة وكان رده:" ليس لدي أي مستجدات أو معلومات، لأن الملف لم يعد من صلاحياتي"!
ورأت معدة التحقيق وجوب البحث والتقصي في موضوع القطع التي خرجت من قطاع غزة للعرض في جنيف عام 2006 فهاتفت فضل العطل المختص بالتنقيب عن الآثار الذي زار متحف التاريخ والآثار في جنيف عام 2008 وأكد أن القطع ما زالت موجودة في معرض غزة الدولي في جنيف.
ورغم محاولاتنا الاتصال بجودت الخضري إلا أنه لم يرد على أي رسائل أو مكالمات لمعدة التحقيق فهاتفت جهاد ياسين مدير دائرة المتاحف في رام الله، الذي أكد على وجود القطع في مخازن المتحف في جنيف حتى اليوم وبأنهم كانوا يفضلون عودتها إلى غزة ولكن على حد قوله:" الحصار والأوضاع الأمنية والسياسية والانقسام حال دون ذلك!! منوها إلى أن السلطة تنوي إعادتها إلى رام الله إذا استحال عليها إعادتها إلى غزة!!!
وبالنسبة للصفة القانونية لجودت الخضري التي سمحت للسلطة بتكليفه بالسفر والمشاركة في معرض جنيف في ذلك الوقت، لفت ياسين إلى أن القطع التي أخذت للعرض من ممتلكات جودت الخضري نفسه، والسلطة استعارتها منه بغرض العرض وإعادتها مرة أخرى إلى غزة وهذا ما أعطى الخضري الحق في المشاركة في المعرض.
ويلفت ياسين إلى أن القانون في الأصل يتيح الاتجار بالقطع بتصريح مسبق من وزارة السياحة ووفق شروط محددة! لكن السلطة لم تعط أي تصريح لأي شخص باقتناء القطع أو الاتجار بها منذ بداية السلطة عام 95، كما لم تتخذ أي إجراءات تذكر لتقليص عمل المجموعات الخاصة أو تدبير أمر القطع التي جمعوها على مر السنوات التي تسبق السلطة. 
وأضاف ياسين: " كانت هناك لجنة تدير ملف القطع الأثرية تابعة لوزارة السياحة في غزة، ولكن لا معلومات لدي عن تعاملها مع هذه المجموعات". 
ورغم إصرار ياسين على أن السبب الحقيقي في عدم عودة القطع هو الحصار وصعوبة نقلها والخوف عليها من الضرر على حد تعبيره إلا أن عودتها عن طريق معبر رفح لا يبدو مستحيلا، إذا أرادت السلطة ذلك.
ويبقى الأمر مبهما، وحتى كتابة هذا التحقيق لا يبدو أن هناك ضمانات للحفاظ على القطع الموجودة بالعشرات لدى أشخاص ليس لديهم أي صفة قانونية، بل يجمعون القطع ويعرضونها بموافقة من وزارة السياحة في غزة!

أنجز هذا التحقيق بدعم من فلسطينيات

البث المباشر