بقلم - خلود نصار
على ذات الكرسي الخشبي القديم جلست في وسط الحديقة العامة الجو يعصف , رياح خريفية جافة , فرشت الأرض ببساط مصفر من أوراق الشجر هدوء تام لا صوت سوا صوت حفيف الشجر و صفير دوامات الريح ، ارتدت معطفا أسودا ثقيلا بدت علامات الحيرة على وجهها تتلفت يمينا ويسارا لا تلمح احدا , ثم يقطع هذا الهدوء صوت بائع الشاي ينادي بلا مجيب لكنها سرت عندما راته فأخيرا لمحت أحدا غيرها في الحديقة العامة , انه طفل في العاشرة من عمره يرتدي سترة حمراء ثقيلة نادته مبتسمة ذكرها بابنها سعد عندما كان بمثل سنه يسألها بصوت مبحوح أتودين كوبا من الشاي الساخن يدفئك في هذا البرد يا سيدتي , تجيب مبتسمة بالتأكيد يا عزيزي تمد يدها إلى جيبها تعطيه بعض النقود ثمنا لهذا الكأس اللذيذ الذي جاء في وقته , دقائق و عادت وحيدة كالسابق دوامة الأفكار عادت اليها انها في مثل هذا اليوم من كل سنة كانت تأتي برفقة ولديها سعد وفارس و زوجها الذي عذبها غيابه , انه توفى في حادث سير قبل عام اثناء عودته من العمل.
اما ابناها فكلاهما مقيم في المانيا الآن عند عمهما لكي يكملا تعليمهما الجامعي ففارس الابن الاكبر سينهي درجة الاجستير في العلوم السياسية أما سعد الابن الاصغر فسينهي دبلوم تصميم شبكات الانترنت ... بقي عام على عودتهما ، لم ترهما منذ عامين , كم تشتاق اليهما فهي تعاني من وحدة قاتلة , لا أنس لها في هذا الوقت الا الله و ذكريات مع زوجها و ابنائها و بعض صور احتفظت بها في البوم قديم و علقت البعض الآخر على جدران المنزل لتتذكرهم كلما إشتعلت بقلبها نار الذكرى ,مرت الساعات و لا زالت تجلس على ذات الكرسي ..تتذكر.. هناك كان يجلس سعد وفي تلك الزاوية سقط فارس و من حوض الورود هذا أهداها زوجها وردة في الربيع ,, ذكريات تجول في اروقة عقلها .
تتمنى لو انها تجتمع بهم مرة اخرى تقبلهم تحتضنهم , تحضر لهم الطعام , تتشاجر معهم ... تفعل معهم كل شي كما السابق فهم كل حياتها ليس لديها سواهم لترتكز عليهم في كبرها .
رجعت الى منزلها متثاقلة حزينة تتنهد و تتنهد , متسائلة ماذا سأفعل ؟ أين سأذهب كيف سأميت الوحدة ..ترهق نفسها بعدد من الأسئلة ... تصمت .. لا جواب لديها !!
تفتح باب البيت المحاط بحديقة ذابلة فلم يعتن بها احد منذ وفاة زوجها الذي كان يقضي بها معظم وقته يزرعها و يقلمها .
تدخل الى صالة المنزل تجلس بجوار المدفئة تطعمها بعض اعواد الحطب لتسد جوعها و تلتهب لتدفئ لها المكان.
تحمل البوم الصور و تتمدد على سريها مقابل المدفئة أنيستها في وحدتها , تتبسم و تتبسم إنها صورة عائلية جمعتها مع ولديها وزوجها على شاطئ البحر , تحدث نفسها " تبقى ذكريات " و تدمع حين ترى صورة زوجها مرتديا ثوب التخرج بعد زواجها بعام .. تقلب الصفحات وتقلب حتى تغفو دقائق ثم تفزع على صوت ابنها الاصغر يناديها تبحث من حولها فلا ترى الا المدفئة والبوم صور احتضنته بين ذراعيها فتيقن أنه مجرد حلم .