قائد الطوفان قائد الطوفان

"الكابونة".. أنت فقير في سجلات الأونروا

الرسالة نت - محمد أبو قمر

بخطوات متسارعة يحاول الخمسيني جمال العبد سلك طريق مختصرة تأخذه إلى مركز توزيع مساعدات الأونروا في مخيم جباليا، عله يصل مبكرا، ويجد مكانا في مقدمة طابور الانتظار.

يصطف اللاجئون بين الجدران التي يطغى عليها لون "الأونروا" الأزرق، في لوحة غير متناسقة تضم الشاب والمسن وحتى المريض والمعاق أيضا الذين يضطرون للوصول إلى المبنى الأممي لإثبات شخصيتهم دون الانتباه إلى أعذارهم. 

بعد وقت ظفر "العبد" (بكابونته)، وحصل على شوال ونصف من الدقيق، وثلاث زجاجات من زيت الطهي، وعدد مثيل من أكياس الحليب، وكمية قليلة من السكر والبقوليات، لتكون غذاءً له وزوجه وطفله الصغير.

امتزج عرق الرجل ببعض مما تناثر عليه من الطحين، وبات شكله يدلل على حاله المعجون بالمعاناة.

غير بعيد تلمح بطرف عينك عجوزا اتخذ من زاوية مبنى الأونروا مكانا للجلوس؛ عله يريح جسده المنهك من الازدحام والضوضاء.

تختصر تجاعيد وجه ذلك العجوز التي رسمتها سنوات اللجوء، سنين من الفقر والحرمان، وانتظار العودة لبلاد غير بعيدة، هُجّر منها منذ زمن.

بالتزامن مع تزاحم الفقراء في ساعة مبكرة داخل مبنى مركز التوزيع، لم يكن المشهد مختلفا خلف جدرانه الخارجية لطوابير أخرى من الشبان، دفعتهم البطالة لعمل موسمي يعرضون فيه خدماتهم بنقل مساعدات الفقراء وإيصالها لمنازلهم مقابل ثمن زهيد لا يتعدى دولارين، لتكتمل بذلك لوحة الفقر السوداوية في المخيم.

الفقر الذي تسلل إلى المزيد من بيوت اللاجئين، يدفع "العبد" أحيانا لبيع جزء من "المونة" التي حصل عليها، عله يتمكن من توفير شواقل معدودة لأسرته الصغيرة معدومة الدخل.

في مشهد آخر، يقف طفل لا يتجاوز طوله شوال الطحين الذي تسلمه والده من "الأونروا"، لكن بعد زمن غير بعيد سيكبر الصغير وسيتجاوز رأسه ذلك الكيس الذي كتب عليه باللون الأزرق FOR FREE DISTRIBUTION TO PALESTINE REFUGEES "مساعدات مجانية للاجئين الفلسطينيين".

هكذا يبدو حال المئات من لاجئي المخيم الذين يحصلون على احتياجات الطعام الأساسية بشكل دوري، لتبقى معاناتهم إحدى شواهد نزوح الفلسطينيين القسري منذ سبعة عقود مضت، واضطرارهم للعيش في مخيمات أعدتها لهم الأونروا.

هناك وسط مخيم جباليا، الذي لم يُغيّب تطوره العمراني ذاكرة البدايات، عندما دشنت الأونروا خيامه عام 1954، على مساحة كيلو متر واحد، وتمدد بفعل تزايد عدد اللاجئين لتتضاعف مساحته أربع مرات اليوم.

في ذاك المخيم الواقع إلى الشمال من غزة، والأكبر بين مخيمات القطاع الثمانية، يعود اللاجئ الخمسيني لسنوات طفولته التي تحتفظ بها ذاكرته، ويسترجع منذ ذلك الحين التقليصات التي طرأت على خدمات الأونروا حتى وصلت حدها الأدنى هذه الأيام.

يزداد الفقر وتنحسر الخدمات، علاقة تسير بخلاف الواقع يسوقها "العبد"، وهو يتحدث عن افتقاد اللاجئين "الطعمة" التي كانت تزودهم بالغذاء، وإلغاء "الأونروا" خدمات الولادة المجانية، ولم يعودوا يحصلون على الأغطية والمساعدات النقدية التي كانت سابقا.

تلك المساعدات حق ارتبط بوجود اللاجئ بعيدا عن أرضه لهذا وجدت "الأونروا" وستبقى كذلك لحين عودته إلى دياره، هكذا يقول فقراء اللاجئين، الذين يرفضون تقليصات الأونروا، ومع ذلك تظهر بيانات الوكالة الدولية أن مليوناً وخمسين ألف لاجئ يستفيدون من الخدمات التي تقدمها بشكل دوري.

على شباك المراجعات، تتزايد أعداد اللاجئين الذين يترددون على مراكز توزيع مساعدات الأونروا، للحصول على مساعدات غذائية "كابونة"، علهم يظفرون بها، في ظل الوضع الاقتصادي السيئ الذي أوصل نسبة البطالة إلى 52% في قطاع غزة، حسبما أورد جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني.

الأرقام الصادمة لدى إدارة "الأونروا" تدرج سبعمائة ألف من متلقي المساعدات تحت بند الفقر المدقع - دخل الفرد فيهم أقل من 1.7 دولار يوميا - يحصلون على (الكابونة الصفراء) كما هو متعارف عليه لدى اللاجئين، بقيمة مساعدة دورية 30 دولارا للفرد الواحد.

ثلاثمائة ألف آخرون من المستفيدين ينضوون تحت إطار الفقر المطلق - دخل الفرد فيهم أقل من 3 دولارات – يحصلون على (الكابونة البيضاء)، بقيمة مساعدة دورية 16 دولارا للفرد الواحد، حسب المعلومات التي ساقها عدنان أبو حسنة المستشار الإعلامي للأونروا.

تسعون يوما، الوقت الذي يفصل بين المساعدات الدورية، ومع ذلك في كل مرة يجتهد فقراء اللاجئين بالبحث والسؤال عن موعدها المرتقب.

الحالة المعيشية التي زجت بالمزيد إلى دائرة الفقر، أدرجت مؤخرا كاتب هذه السطور اللاجئ من بلدة "يبنا" في سجلات المساعدات الغذائية التي تقدمها "الأونروا"، وحصل على "الكابونة".

البث المباشر