تفاجأ السائق (أبو محمود)، أثناء عمله كسائق أجرة بوصول تفاصيل مخالفة مرورية إلى هاتفه الشخصي من شرطة المرور بسبب تجاوزه قانون السير وسط مدينة رفح جنوب قطاع غزة، دون أن يوقفه شرطي مرور وينذره بارتكاب تلك المخالفة التي تلتها غرامة مالية بقيمة 50 شيكلا.
المفاجأة التي تلقاها السائق الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، هي أن منطقة ارتكاب المخالفة لم يعبرها بسيارته يوم تلقيه للمخالفة، ما دفعه إلى الذهاب مسرعًا إلى شرطة المرور ليستفسر عن التفاصيل.
يجزم المواطن الذي يقطن مدينة غزة، أنه لم يحرك السيارة التي يعمل عليها من منزله يوم الجمعة الموافق ليوم المخالفة، الأمر الذي دفعه لعدم دفع المخالفة، ومطالبته إدارة المرور بإلغائها، إلا أنها أدخلته بإجراءات متعاقبة، أولها تقديم طلب مراجعة واستئناف وغيرها من الخطوات المتعبة والتي تستغرق وقتًا-حسب قوله-.
سائق: تلقيت مخالفة غيابية في يوم لم تتحرك فيه سيارتي
ويكشف المعيل لخمسة أبناء، أن المخالفة غير المستحقة، أدخلته في حرجٍ ومشاكل مع صاحب مكتب السيارات الذي يعمل به، وقال "اتفقت مع مالك السيارة على عدم العمل عليها يوم الجمعة، وحين أتت المخالفة، تزعزعت الثقة بيننا، ووقعت بيننا إشكاليات كبيرة.
حالة السائق الأربعيني، الذي تلقى عقابا دون ذنب، كما يقول، دفعت مراسل "الرسالة" للبدء في البحث حول تكرار الشكوى من السائقين حول الحصول على مخالفات غيابية، وبالحديث مع جميع المعنيين بالقضية.
حسب اللوحة
في البداية، طرحنا أسئلةً متعددة على أفراد من شرطة المرور، وهم المخولون بإعطاء المخالفات للسائقين، "غيابيا" في حال لم يتمكنوا من اللحاق بالسيارة المخالفة بسبب تهرب السائق، عن طريق رقم اللوحة.
وكان السؤال الأبرز لأحد أفراد شرطة المرور، الذي يتركز عمله في منطقة الرمال بمدينة غزة، هو أنه "كيف يسجل المخالفة على السائق دون أن يراه أو يشعره بارتكابها؟"
وأوضح الشرطي أنه يسجل لوحة تسجيل السيارة ويعطي السائق المخالفة وفقاً لها فقط، دون مشاهدة وجه السائق أو حتى لون سيارته ونوعها.
وقال "للرسالة نت"، "تصعب ملاحظة وجه السائق كونه يرتكب المخالفة من مسافة بعيدة، وحتى إنني لست بحاجة إلى كتابة تفاصيل السيارة، لأنها مسجلة لدينا وفقاً لنمرة السيارة ورقمها".
هنا برز أمامنا السؤال: ماذا إذا كان السائق متلاعباً في أرقام اللوحة؟ وهي الشكوى التي وصلت كذلك على لسان سائقين "للرسالة".
عقّب الشرطي مضيفا: "قد تحمل المخالفة مغالطات، لكن يخشى السائقون القيام بمثل هذه الانتهاكات"- وفقًا لقوله-.
تلاعب باللوحة
وفي سياق التلاعب باللوحات اعترف أحد السائقين من منطقة الصفطاوي بمدينة غزة، لمعد التحقيق، أنه تلاعب بلوحة سيارته منتهية الترخيص بتغيير أحد أرقام اللوحة بواسطة شريط لاصق.
وحين سأله معد التحقيق عن السبب، كانت اجابته أنه يتجاوز تلقي المخالفات الغيابية التي يرتكبها".
وقال إن "سيارته منتهية الترخيص، وفي حال تمت مصادرتها من شرطة المرور، يستطيع استخراجها من الحجز طالما أنه ليست عليها أي مخالفات غيابية وغرامات مالية.
وأشار إلى أن معظم أوقات عمله تكون خلال ساعات الليل وأيام الجمعة التي يقل فيها أعداد شرطة المرور على الطرقات.
سائق يعترف: تلاعبت بلوحة سيارتي بواسطة شريط لاصق لتجنب "المخالفات الغيابية.
حالة السائق السابقة تؤكد فرضية التحقيق، إذ إنه من الممكن أن تمنح المخالفة الغيابية لمن لم يرتكبها، بحيث يسجل شرطي المرور أرقام لوحة السيارة المغلوطة، ما ينقل المخالفة إلى سائق آخر توافق نمرته ذلك الرقم المزور.
حالة التلاعب في الأرقام ليست وحدها التي يمكن أن تنقل المخالفة لمن لم يرتكبها، وهنا يمكن القول إنه في حالة "عدم وضوح الرؤية لدى شرطي المرور الذي يكتب المخالفة من مسافة ليست بالقريبة، قد يجعله عرضة للخطأ كذلك".
في جولة "الرسالة" بين سائقي الأجرة، كان السخط كبيرا على المخالفات الغيابية، إذ يؤكد الكثير منهم تلقيهم مخالفات لم يستحقوها، وكتبت عليهم عن طريق الخطأ، وفي مقابلة مع أحد السائقين، كشف أنه تلقى مخالفة مرورية غيابية بقيمة 250 شيكلا، كونه قطع الطريق (شمال شمال)، وهرب بعدها من نداء شرطي المرور".
حال هذا السائق العشريني، كغيره من السائقين الذين جزموا عدم ارتكابهم هذه المخالفة نهائياً، ويتابع: "إن هذه المخالفة لم يرتكبها ولا يجرؤ على القيام بها، إذ إن الهروب من شرطة المرور قد يعرضه إلى مسائلات أمنية متعددة وهذا ما يخشاه".
وأشار إلى أنه قام بإجراء ات متعددة لتجاوز هذه المخالفة، الأمر الذي انتهى به إلى تخفيض المخالفة إلى 150 شيكل بدلاً من إلغائها، وهو ما يراه بأنه غير منصف بالنسبة له.
ويبين السائق أن تسديد مبلغ المخالفة (150) شيكلا يستغرق أكثر من 4 أيام عمل، ما يجعلها عبئاً ثقيلاً على كاهله.
وكشف أنه سبق أن ارتكب مخالفة مرورية "الدخول في المعاكس"، وبلغت غرامتها 300 شيكل، وحينها رضخ لشرطي المرور فور استدعائه، ولم يفكر مطلقاً في الهروب، مضيفاً أن "المخالفة الصحيحة، لا يمكن للسائق أن يلقي أي لوم على شرطة المرور، وإنما يعتبرها درساً يتعلمه".
قضايا موجودة
من جانبه كشف مصدر مسؤول في شرطة المرور بغزة، أن الشرطة استطاعت إلقاء القبض على عدد من مزوري لوحات السيارات، معتبرا أن من بين هذه الحالات، أحد أصحاب المكاتب الذي كرر رقم لوحة واحد على السيارات الثلاث التي يمتلكها.
وأكد أن تزوير أرقام اللوحات قد يؤدي الى خلل في المخالفات الغيابية، إلا أن عقوبة من يتم القبض عليه في التزوير، تجعل من هذه الحالات نادرة وصعبة، كونها قد تدخل في الإطار الأمني، ولا يقتصر ارتكابها على شرطة المرور وحركة السير فقط، إذ تتم مصادر المركبة المزورة وتقديمه للنيابة بتهمة الانتحال".
شرطي مرور: أسجل المخالفات الغيابية فور وقوعها وفقًا لرقم اللوحة
وأوضح أن المخالفات الغيابية غرامتها تتراوح بين 50 شيكلا إلى 300 شيكل، حسب الأخطاء المرتكبة من السائقين، مشيرًا إلى أن معظم هذه المخالفات تكون صحيحة، وترسل إلى السائق برسالة عبر هاتفه الشخصي، بمكانها وزمانها بعد 3 أيام من ارتكابها.
إشكالية قانونية
وضع معد التحقيق قضية "المخالفات الغيابية" على طاولة عبد الله محمود شرشرة، المستشار القانوني لمكتب ائتلاف أمان في قطاع غزة، الذي أكد بدوره وجود إشكاليات قانونية تتعلق بهذا النوع من المخالفات.
وقال "إن هذا النوع من المخالفات لم يتم تنظيمه بشكل قانوني، ولم ينص قانون المرور عليه بشكل واضح، والإشكالية المتعلقة بالمخالفات الغيابية تتعلق "بعدالة" هذا النوع من المخالفة، لأنه يتيح لشرطي المرور التعسّف في استخدام صلاحياته دون حسيب أو رقيب".
وأضاف شرشرة "شرطي المرور لا يثبت المخالفة، ولا يطلب منه إثبات وقوع المخالفة الغيابية! وفي النهاية، المخالفات المرورية هي جرائم، وبالتالي مجرد ادعاء الشرطي بوقوع الجريمة لا يكفي كدليل على وقوعها".
وأوضح القانوني أن بعض الدول تلزم شرطي المرور بوضع كاميرا مراقبة في السيارة، وبالتالي يعتبر الفيديو المسجل دليلا على ارتكاب المخالفة غيابيا، وهذا ليس متوفرا في قطاع غزة.
قانوني: المخالفات الغيابية تتيح للشرطي المرور التعسّف في استخدام صلاحياته
وعن حل الإشكاليات التي تسببها المخالفات الغيابية، قال شرشرة "إنه "يمكن حلها بإعمال الفقرة الثالثة، من المادة 99 والتي نصت على أنه إذا تخلف الشخص عن دفع الغرامة اعتبرت المذكرة التي سلمت له كأنها لائحة اتهام ومذكرة حضور للمحاكمة سلمت له قانوناً".
ومضى بالقول "وبالتالي يلجأ المواطن للمحكمة المختصة لتوضيح عدم ارتكابه للمخالفة للقاضي، وذلك عبر أي طريقة من طرق الإثبات، كالشهود مثلا".
المرور: لا أخطاء
حالة السخط التي خلقتها (المخالفات الغيابية)، نقلتها "الرسالة"، إلى العقيد علي النادي، مدير إدارة شرطة المرور والنجدة في قطاع غزة، الذي نفى ارتكاب أي أخطاء من أفراد شرطة المرور، في كتابة هذه المخالفات.
وأكد أنها تعطى لمن يستحقها من السائقين الذين يرتكبون المخالفات ويكملون سيرهم دون الانتباه لوجود شرطة المرور، أو ممن يحاولون التهرب من الوقوف إلى أفراد الشرطة لكتابة المخالفة مباشرةً.
وفي الحديث، قال النادي "إن شرطي المرور لا يمكن أن يتجنى على أي مواطن، كون موقفه سيكون مخجلاً بين الناس في حال ثبت أنه كتب هذه المخالفة بغير حق، وسيدخل الشرطي نفسه في ورطة، إذ يقدم إلى أمن الشرطة ثم النيابة والمحاكمة وقد يصل به الحال إلى السجن.
وأضاف العقيد، "كل مخالفة غيابية بها تظلم، لا تتردد شرطة المرور في مقابلة صاحبها، وعرضه على لجنة الاسترحام بعد سماع شكواه".
وأكد أنهم أصدروا أوامر لكل مدراء المرور في جميع محافظات غزة، لفتح مكاتبهم أمام المواطنين والسماع لشكوى أي مواطن.
وأشار إلى أن المرور استحدث دائرة الرقابة والتفتيش والانضباط، لسماع شكاوى الناس وتظلماتهم بهدف اتخاذ القرار المناسب، مشددًا على عدم وجود أي شكاوى من مواطن قال فيها إنه غرم بمخالفة لم يرتكبها.
وعن صلاحيات شرطي المرور في كتابة المخالفات الغيابية، أوضح النادي أن هذه الصلاحيات تبدأ من حيث خالف السائق، إذ يكتب الشرطي مخالفة السائق دون علمه ثم تصله هذه المخالفة عبر رسالة على هاتفه الشخصي، مبينًا أن المواطن الملتزم بأنظمة وقوانين السير لا يمكن للشرطي أن يخالفه.
كما حذر النادي من أي عملية تزييف او استنساخ "للوحات السيارات"، مشددًا على أن من يثبت ارتكابه لمخالفة من هذا النوع، يحول إلى النيابة عن طريق مباحث المرور، ثم إلى محاكمة رسمية، وهذه الإجراءات تنطبق أيضًا على مرتكبي الحوادث الذي يحاولون الهرب منها لحظة وقوعها.
وأمام الخلاف القائم وبحسب قانونين يتوجب على شرطة المرور تقيد منح المخالفات الغيابية مع ضرورة اخضاعها للقانون انصافا للسائق وللنظام العام .