أثارت بعض تسريبات مسودة تقرير مراقب دولة الاحتلال حول الحرب الأخيرة على قطاع غزة عاصفة من الاتهامات المتبادلة بين القادة "الاسرائيليين"؛ بعد اتهام رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير جيش موشيه يعلون بالإخفاق والفشل في تحقيق أيٍّ من أهداف الحرب.
ونشر مراقب الدولة لدى حكومة الاحتلال، القاضي المتقاعد يوسف شبيرا، مؤخراً مسوّدة تقرير حول سلوكيّات المجلس الوزاري الأمنيّ "الإسرائيليّ" المصغّر (الكابينيت) في سياق اتّخاذ القرارات خلال العدوان الأخير على قطاع غزّة، والذي أطلقت عليه "إسرائيل" اسم "الجرف الصّامد"، عام 2014.
اتهامات بالإخفاق
وأشارت مصادر عبرية مطّلعة على مسودّة التّقرير إلى أنّه اشتمل على انتقاد لاذع لثلاثة مسؤولين كبار في الحكومة "الإسرائيليّة": رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وزير الحرب الإسرائيليّ، موشيه يعلون وقائد هيئة أركان الجيش الإسرائيليّ سابقًا، بيني غانتس.
ويقول المطّلعون على المسوّدة إنّ التّقرير الأوّليّ يفيد بأنّ كلًّا من نتنياهو، يعالون وغانتس أداروا كافّة مراحل الحرب لوحدهم، بينما أقصوا أعضاء المجلس الوزاري الأمنيّ الإسرائيليّ المصغّر، ناهيك عن إخفائهم قسمًا كبيرًا من التّفاصيل المهمّة عن وزراء آخرين من (الكابينيت).
ويوجّه التّقرير الأوّليّ انتقادًا للحكومة "الإسرائيليّة" كونها لم تتطّرق، خلال الشّهور المعدودة التي سبقت العدوان "الإسرائيليّ" على غزّة، إلى تهديد الأنفاق التي شيّدتها حماس، إلّا بشكل مقتضب وعامّ. كما وتمّ توجيه انتقاد على غياب الاستعداد الكافي لمجابهة تهديد الأنفاق الهجوميّة الموجّهة إلى داخل "إسرائيل".
انتقادات متبادلة
ووصف مقربون من رئيس حكومة الاحتلال ووزير جيشه ورئيس أركانه الأسبق التقرير بأنه "غير جدّي"، ووجهوا اتهامات شخصية ضد مراقب الدولة العبرية، بأنه أقحم نفسه في شؤون ليست له علاقة بها. وعبرت الشخصيات المقربة من نتنياهو عن رفضها التقرير والانتقاد الموجه للحكومة، مؤكدة أن له "رائحة ملاحقة سياسية"، فيما وصف نتنياهو نفسه التقرير بأنه " سياسي رخيص".
اتهامات "المستوى السياسي" في دولة الاحتلال، دفعت مراقب الدولة العبرية للرد بالقول إن "التقارير التي يجريها مكتبه تخضع لمعايير صارمة، وتستند إلى حقائق صلبة".
تلك العاصفة تدفع للتساؤل عن مدى ثبات حكومة نتنياهو المتطرفة أمامها، وتأثيرها على المستقبل السياسي لقادة الحكومة اليمينية.
مستقبل حكومة نتنياهو
ويستبعد مختصون في الشأن "الاسرائيلي" أن تطيح الاتهامات المتبادلة حول الاخفاق في الحرب على غزة بالحكومة اليمينة، مرجعين ذلك إلى تماسكها وإسنادها من شرائح واسعة داخل المجتمع الصهيوني. ويرى الكاتب والمختص في الشأن "الاسرائيلي" د. حاتم أبو زايدة، أن ما يجري هو صراع بين الأحزاب السياسية "الاسرائيلية"، مبيناً أنه من المبكر الحديث عن مستقبل حكومة الاحتلال.
وأوضح أبو زايدة في حديث لـ"الرسالة نت" أنه من الطبيعي أن يتم استغلال بعض الخلافات التي هي حقيقية، من قادة الأحزاب "الاسرائيلية" لطرح نفسها كبديل، وأنها الأقدر على التعامل بشكل أفضل من قيادة الحكومة الحالية مع حركة حماس وحزب الله.
ولفت إلى أنه من المستبعد الاطاحة بحكومة نتنياهو المتطرفة عقب هذه الاتهامات، معللا ذلك بتماسكها ودعم قطاعات عريضة من المجتمع "الاسرائيلي" الذي مال خلال العقد الاخير إلى اليمين المتطرف.
لكمات سياسية متبادلة
واتهم "أفيغدور ليبرمان" (رئيس حزب إسرائيل بيتنا)، والذي شغل منصب وزير الخارجية خلال الحرب على غزة، قادة حكومة الاحتلال "بالضعف" والتهرب من المسؤولية. وأضاف أن "سلوك نتنياهو" أفشل عملية الجرف الصامد (اسم أطلقه الاحتلال على الحرب الأخيرة على قطاع غزة)، مطالبًا باستقالة حكومة نتنياهو.
وكتب "جدعون ساعر"، (والذي شغل منصب وزير الداخلية آنذاك) على صفحته في تويتر قائلاً" اعتزلت الحياة السياسية بعد أقل من شهر من انتهاء حرب صيف 2014 على غزة؛ نتيجة أن الحرب كانت فشلًا لإسرائيل (...) وانكار الواقع ليست وسيلة جيدة".
وتعقيباً على تلك الاتهامات فإن الكاتب والمختص في الشأن الاسرائيلي مأمون أبو عامر، رأى أنها تأتي في إطار "اللكمات السياسية المتبادلة" بين الأحزاب، مشيراً إلى أنها لا يمكن أن تحدد مصير الحكومة.
وأوضح أبو عامر لـ"الرسالة نت" أن هذا الحدث سيدفع "نتنياهو" عقب صدور تقرير مراقب الدولة النهائي إلى تشكيل لجنة تحقيق لتقف على مواطن الخلل. وأضاف "إذا حمّلت لجنة التحقيق المستوى السياسي مسؤولية الاخفاق في الحرب فعلى نتنياهو الرحيل ومغادرة موقعه"، مستطرداً "لكن ربما تطيح اللجنة بعدد من أركان هيئة الاحتلال أو وزير الجيش، ولن تطال الحكومة أو رئيسها".
وأخيراً يمكن القول أن تلك الاتهامات هي اعتراف واضح بأن المقاومة في غزة حققت انتصاراً في الحرب الأخيرة، وأن إخفاقات الاحتلال كابوس رعب سيبقى يلاحقهم لسنوات.