قائمة الموقع

"فيزا" الهجرة المزورة .. مجازفة حصادها الندم

2010-09-30T16:39:00+02:00
ضحايا: محاولاتنا باءت بالفشل وتكبدنا خسائر كبيرة

وسيط: لا ضمانات لها ولا تعويض للمتضررين منها

الشرطة: ألقينا القبض على مزور يحتال على المواطنين

غزة - فادي الحسني – الرسالة نت

يمثل طموح الهجرة من قطاع غزة أو السفر إلى الدول الأوروبية، هاجسا بالنسبة للعشرات من الشباب الذين يقعون في فخ "الفيزا" المزورة التي غالبا ما ينكشف أمرها في المـطارات الأوروبيــة.

وتقوم جهات مجهولة خارجية بإصدار "فيز" مزورة عبر وسطاء محليين، بمقابل مبالغ مالية عالية، لكن الأزمة الحقيقية بالنسبة للشباب هو أنه لا ضمانة لهذه الفيزا (تأشيرة الدخول)، خاصة أن المطارات الأوروبية مزودة بالتقنيات الحديثة التي تمكنها من كشف الفيزا إن كانت حقيقية أم مزيفة.

ولجوء العشرات من الشبان لهذه الطرق-غير الرسمية- في الحصول على تأشيرة سفر، جعلهم يفقدون "تحويشة العمر" كما قالوا، لكن السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه في هذا الإطار: لماذا يجازف الشباب بمستقبلهم عبر محاولات في السفر أثبتت التجارب فشلها؟.

فرص عمل

وتحتل الهجرة المساحة العظمى من تفكير الشباب، خاصة الراغبين في السفر إلى الدول الأوربية، طمعاً في الحصول على لجوء سياسي يمكنهم من الإقامة وإيجاد فرص عمل وصولا إلى الجنسية.

ويجازف العشرات من الشباب في مستقبلهم من خلال المراهنة على "فيزا مزورة" قد تمكنهم من الوصول للدول المراد الوصول إليها خلال فترة قصيرة، بمقابل مالي كبير، لكن السواد الأعظم منهم أكد فشل مشروع السفر نتيجة كشف تزوير "الفيزا".

وقلة هم الذين استطاعوا أن يجتازوا الحدود الدولية عبر "الفيزا المزورة"، لكن وعلى الرغم من ذلك لا تزال تأشيرة الدخول مراد العشرات من الشباب الذين ينون الهجرة من قطاع غزة، مع علمهم المسبق بأن هذه المحاولة قد لا يكتب لها النجاح.

وتكبد أبو وديع في أواخر عقده الثاني "خسارة كبيرة" كما اسماها، حيث اضطر لدفع مبلغ عشرة آلاف دولار، مقابل خمسة "فيز مزورة" للسفر إلى دولة "السويد"، هو وأسرته المكونة من أربعة أفراد.

وقال أبو وديع من شمال القطاع :"استطعت الانتقال من قطاع غزة أنا وأسرتي إلى مصر ومن ثم إلى تركيا، بعد أن قمت بدفع مبلغ 2000 دولار مقابل خمسة تأشيرات سفر إلى السويد، فضلا عن دفع ثمن "الفيز" لكن وبكل أسف اكتشف أمن مطار اسطنبول أمر الفيزا، فقام بالتحقيق معي ومن ثم ترحيلي وأسرتي إلى مصر ثم إلى القطاع".

ولا تزال فكرة السفر إلى السويد تراود أبو وديع رغم الأزمة التي مر بها في مشروعه الأول الذي تكلل بالفشل، ولكن هذه المرة ينوي السفر وحده، حيث أشار إلى أنه اضطر مجددا لدفع مبلغ خمسة آلاف دولار ثمن فيزا رسمية إلى السويد.

وقال:"عندما أحصل على الإقامة هناك سأقوم بدعوة زوجتي وأطفالي الثلاثة" علما أن اسمه قد أدرج على "القائمة السوداء" الممنوعة من دخول الأراضي التركية.

ويعلل أبو وديع الذي لم يكمل تعليمه الجامعي، تصميمه على مغادرة القطاع، بـ"عدم توفر فرص عمل محلية مناسبة"، موضحا أن الأوضاع المتردية الذي يحياها القطاع في ظل الحصار جعلته وغيره العشرات يفكرون في الهجرة.

مجازفة غير محمودة

وعلى العكس تماماً فإن الشاب "أحمد.ش" من غزة، قد عزف عن المجازفة مجدداً بالسفر إلى دولة أوربية للإقامة فيها، هربا من الأوضاع المادية المتردية التي يعشها في قطاع غزة، لافتا إلى أنه تكبد خسارة قبل عدة أشهر تقدر بـ"ستة آلاف دولار"، عندما غادر القطاع بعد الحصول على "فيزا مزورة" إلى مصر ومن ثم إلى الدينمارك والتي أكتشف أمره في مطارها "كوبنهاجن" الأمر الذي استدعى ترحيله إلى مسقط رأسه.

ويقول "أحمد.ش" وهو عاطل عن العمل :"ليست لدي أية رغبة في السفر مجددا لأني فقدت تحويشة عمري في مجازفة غير محمودة".

ووصلت نسبة البطال في القطاع المحاصر منذ أربعة أعوام، حسب إحصاءات رسمية، إلى ما يزيد عن 60%.

وفرحت أسرة "أحمد.ن" من شمال القطاع، كثيرا عندما أرسل إقامة مزورة لشقيقه "خالد" في العشرين من عمره لتمكنه من السفر إلى أوروبا بمقابل ثلاثة آلاف دولار، إلا أن الفرحة لم تدم طويلا بفعل كشف حقيقة الأمر أثناء سفر "خالد".

ويقول خالد :"ما شجعني على السفر هو أن الإقامة المزورة  كان يصعب على أحد التشكيك بها، لكن أمن مطار السويد كشف حقيقتها ومن ثم أرجعني من حيث أتيت".

وتكللت محاولات محدودة لبعض الشبان بالسفر إلى دول أوروبية، بالنجاح، حيث يقول أحدهم ويدعى "سمير.د" ويقيم في السويد : "استطعت الحصول على لجوء سياسي عقب وصولي السويد، ثم حصلت بعد عدة أشهر على الإقامة، ولكن هذا لم يحصل إلا بعد عدة محاولات خضتها باءت بالفشل".

ولا يتكفل "المزورون" أو "الوسطاء" بإعادة الأموال إلى الزبائن إذا ما فشلت محاولة السفر، وكشفت حقيقة أن الفيزا مزيفة، في المعابر أو المطارات.

لا تعويض

ويقول أحد الأشخاص الذين يعملون كوسطاء بين الباحثين عن الهجرة والمزورين، رفض الكشف عن اسمه: "عملية السفر عبر التأشيرة المزورة هي مجازفة ولا ضمانات لها، وأنا فقط أحصل على نسبة معينة من المبلغ أما الباقي فيذهب إلى جهات خارجية تعمل على تزوير هذه الفيز، وبالتالي لا يمكن تعويض أي شخص لا يوفق بالسفر".

وأكد "الوسيط" أن هناك شرطا أساسيا لتوفير تأشيرة الدخول للراغب في السفر، ألا وهو أن المبلغ الذي يدفعه لا يمكن إعادته بحال من الأحوال إذا كشف أمر "الفيزا"، منوها إلى أنهم ينصحون الزبائن بضرورة التعامل بسرية تامة في هذا الموضوع، وسلك بعض الطرق والتعامل مع خطوط جوية معينة تجنبا لفضح الأمر.

على الصعيد ذاته أكد أصحاب مكاتب السياحة والسفر في قطاع غزة، أنهم لا يتعاملون بطرق غير رسمية على الإطلاق، مبينين أن الحصول على فيزا مزيفة تتم وفق طرق غير شرعية، لا دخل لهم بها.

ويقول خالد حجازي مدير مكتب "سفير العالم" للسياحة والسفر :"نحن لا نتعامل من قريب أو بعيد مع موضوع التأشيرة المزيفة، وكل من يلجأ لنا يطلب السفر بطريقة رسمية (..) نسبة الإقبال على الفيز الرسمية تصل إلى 90%".

وأشار حجازي إلى أنهم يتفقون مع الزبائن، أنه حال فشلت المعاملة يتحملون فقط خسارة ثمن الأتعاب كالمواصلات ورسوم السفارة وتأمين السفر.

وعما إذا كان الشبان يطلبون صراحة الهجرة من القطاع عند لجوئهم لمكاتب السفر، أوضح أن الشباب لا يصرحون بهذا الأمر علانية ويكتفون فقط بطلب فيزا للسفر إلى الدول الأوروبية.

انتحال شخصيات

وكشفت مصادر مطلعة لـ"الرسالة نت" عن لجوء البعض مؤخرا لاستخدام جوازات سفر أجنبية لفلسطينيين مقيمين في دول غربية وحاصلين على جنسيات مختلفة، وينتحلون شخصياتهم بعد أن يحدثوا  بعض التغيرات في ملامحهم حتى تتطابق مع ملامح أصحاب الجوازات الحقيقيين.

وأكدت المصادر أن هذه العملية أيضا تقتضي دفع مبلغ من المال غير مسترد حتى لو أثبتت سلطات المطارات زيف الجواز، واضطر منتحل الشخصية للخضوع للتحقيق ومن ثم الترحيل إلى مسقط رأسه غزة.

وسبق وأن ألقت الشرطة القبض على مزورين اتهموا بالقيام بعملية نصب واحتيال على المواطنين، من خلال أخذ مبالغ باهظة منهم دون أن يحصلوا على "الفيزا" المطلوبة.

وكشف المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية الرائد أيمن البطنيجي، عن أن الشرطة ألقت القبض في وقت سابق على احد المتهمين بتزوير "فيز" السفر إلى رومانيا بمقابل1300 دولار، وذلك بعد تقديم شكاوى بحقه تفيد بأنه يحصل على الأموال من المواطنين دون أن يمنحهم "الفيزا".

ولفت البطنيجي في تصريح لـ"الرسالة نت" إلى أن الشرطة لا تقوم بمساءلة من يتعامل بـ"الفيز المزورة" أو المتاجرة فيها، معللا ذلك بان قطاع السياحة لا يزال غير منتظم في قطاع غزة ويعمل بشكل غير منضبط.

على نحو متصل نفت وزارة السياحة أن يكون لها أي دور في  متابعة موضوع السفر والهجرة من قطاع غزة إلى الدول الأوروبية، سواء بالطرق الرسمية أو غيرها.

وتبقى قضية الفيزا المزورة فخ يقع فيه كل من ينوي السفر إلى الدول الأوروبية، ما لم تقف الجهات المعنية وقفة جادة لوقف إهدار أموال الشباب، والقضاء على هاجس الهجرة الذي يلاحقهم.

اخبار ذات صلة