يبدو واضحا أن قيادة حركة فتح وجدت ضالتها في تجاهل حكومة الاحتلال (الإسرائيلي) لطلبها بعقد الانتخابات في القدس، بما يمكنها من تأجيل الدخول في الانتخابات التشريعية والرئاسية حتى إشعار آخر قد لا يأتي.
ورغم دعوة الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس إلى إصدار المرسوم الرئاسي وعقد الانتخابات بما فيها القدس، دون أخذ الإذن من الاحتلال (الإسرائيلي) إلا أن السلطة تتشبث بموافقة الاحتلال، متجاهلةً المعنى السياسي لهذه الموافقة، وأهمية عقد الانتخابات في القدس بدونها.
وفي آخر تحديثات الموقف الفتحاوي، قال عضو اللجنة المركزية للحركة جمال محيسن، السبت، "إن (إسرائيل) أرسلت رسالة بأنها لن ترد على رسالتنا حول إجراء الانتخابات في مدينة القدس".
وأضاف محيسن في تصريحات إذاعية" أنه في حال أصرت (إسرائيل) على عدم الرد على الرسالة الفلسطينية بالموافقة على إجراء الانتخابات حسب الاتفاقات الموقعة، فإن القيادة سوف تجتمع وتتخذ القرار المناسب في هذا الموضوع"، مؤكدا أن الضغط الدولي على الحكومة (الإسرائيلية) يجب أن يتم قبل إصدار المرسوم الرئاسي.
وتبدو حركة فتح في مظهر المهتمة بملف القدس، بإصرارها على عقد الانتخابات فيها، إلا أنها تناست أن "الغاية لا تبرر الوسيلة" حيث أن عقد الانتخابات في القدس لحمايتها من التهويد والتأكيد على فلسطينيتها لا يتأتى من خلال التوسل للحصول على موافقة إسرائيلية على ذلك، وأن الغاية من التمسك بعقد الانتخابات في القدس لا يبرر ذلك التوسل.
وعدا عن الفصائل الفلسطينية، فإن المجتمع الأوروبي لم يعد يقتنع بحجج الرئيس عباس التي توالت على مدار السنوات الماضية، خاصة مع موافقة حركة حماس على الانتخابات بالتتابع وليس بالتزامن وإرجاء الاجتماع الوطني إلى ما بعد إصدار المرسوم.
ويدعو الموقف الأوروبي إلى ضرورة إصدار المرسوم الرئاسي في أقرب وقت لتبدأ مرحلة الضغط على الاحتلال (الإسرائيلي) للموافقة على عقد الانتخابات في القدس، وليس الحصول على الموافقة قبل إصدار المرسوم، في حال كانت فتح جادة في قرارها بعقد الانتخابات بعد موافقة حماس.
وفي التعقيب على ذلك، يقول الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب إن المواقف الإيجابية التي قدمتها الفصائل والتي كان آخرها الموافقة الخطية من حركة حماس شكلت صدمة كبيرة لقيادة حركة فتح، وأظهرت أن ملف الانتخابات كان مجرد مناورة جديدة لفتح للهروب من المصالحة بعد توقعها بصدور مواقف سلبية من حماس في هذا الاتجاه.
وأضاف الغريب أن المرونة التي أبدتها حركة حماس والفصائل أحدثت حالة من الارتباك في المواقف، بدءاً من طلبات السلطة من ثم صمتها بعد موافقة حماس، وليس انتهاءً بالتلكؤ في ملف القدس.
وبيّن أنه من الواضح عدم وجود جدية لدى حركة فتح لعدة أسباب أهمها إدراك عباس بأن النتائج لن تكون في صالحه في ظل حالة الصراعات التي يشهدها البيت الفتحاوي، بالإضافة إلى إمكانية إزاحته عن المشهد في حال عقد انتخابات رئاسية في مرحلة لاحقة.
وأوضح أنه لا يمكن ربط الحالة الفلسطينية بالمزاج والموافقة (الإسرائيلية)، وبالعكس فمن المفترض أن يخوض الفلسطينيون معركة سياسية وشعبية لإحياء قضية القدس من بوابة الانتخابات كاستحقاق تدعمه كل القوانين والأعراف.
وأكد أن القضية ليست انتخابات واقتراع صناديق، بقدر ما تشكل القدس محور الصراع مع الاحتلال، وضرورة رفض سياسات الأمر الواقع التي تفرضها حكومة الاحتلال ومن خلفها الإدارة الأمريكية على صعيد القدس.
وفي الوقت نفسه، يرى الكاتب والمحلل السياسي أن الضغط الأوروبي نابع من إدراك الداعمين والممولين للسلطة بضرورة وجود مجلس تشريعي كبرلمان يراقب أداء الحكومة التي تتلقى الدعم والأموال وفق الاستحقاقات الدولية المعروفة، وجاء هذا الضغط وتعزز بعد حل المجلس التشريعي ما أدى إلى حدوث فراغ دستوري.
وفي نهاية المطاف، كما كل مرة تثبت الفصائل الفلسطينية في غزة وعلى رأسها حركة حماس رغبتها في تحقيق المصالحة من خلال شتى الوسائل سواء اللقاءات السياسية المباشرة برعاية مصرية، أو مبادرة الفصائل، وليس انتهاءً بملف الانتخابات، فيما يؤكد الموقف الفتحاوي في كل مرحلة عدم رغبته في تحقيق المصالحة، وهذا ما تثبته الوقائع على مدار السنوات الماضية.