منذ صباح أمس الجمعة، كانت صفحات مواقع التواصل ومجموعات الواتساب التي تضم سوريين في تركيا، قد أعلنت بداية انطلاق حافلات مجانية من شارع وطن في وسط حي الفاتح بإسطنبول إلى ولاية أدرنة شمال غرب تركيا على الحدود البرية مع اليونان وبلغاريا.
وتوافدت أعداد كبيرة من الأفراد والعائلات من أنحاء إسطنبول ومن المدن القريبة إلى نقطة تجمع تقع مباشرة بجوار "أمنيات فاتح"، أكبر مركز أمني لوزارة الداخلية التركية في المدينة التي يزيد عدد سكانها على 15 مليون نسمة.
ورصدت الجزيرة نت توافد مئات السوريين والعراقيين ولاجئين من بلدان شملت شمال أفريقيا والعالم العربي وحتى بلدان آسيا الوسطى إلى منطقة التجمع الرئيسية للذهاب إلى أدرنة.
وبينما غابت معلومات دقيقة عن كيفية عبور الحدود مع بلغاريا واليونان للوصول إلى أوروبا، كان الجميع على يقين بأن تركيا قد أرخت قبضتها على الحدود وفتحت الأبواب أمام تدفق اللاجئين إلى أوروبا.
برا إلى أوروبا
وعن وجهتهم، قال مجموعة من السوريين في شارع وطن إن أغلبهم متجهون لليونان، بينما يأمل آخرون في الوصول لبلغاريا ومنها -في رحلة طويلة عبر بلدان شرق أوروبا- لألمانيا أو النمسا أو السويد أو هولندا أو غيرها.
اعلان
وقال أمين -وهو ثلاثيني سوري نزح من مدينة حلب- إنه قام بتجهيز حاجاته سريعا عندما سمع خبر سماح تركيا للسوريين بالحركة نحو أوروبا، وأبدى حماسته للهجرة بعد عدة محاولات سابقة لم تكلل بالنجاح بسبب التشديدات الأمنية على المناطق الحدودية في تركيا ومنع وصول اللاجئين إليها في السنوات الأخيرة الماضية.
وأضاف أنه لم يجد عملا مناسبا في تركيا وازدادت الأوضاع صعوبة، وكان عليه أن يترك بقية أمتعته مع رفاقه الذين يتقاسم معهم شقة في أطراف إسطنبول ويكتفي بملابس محدودة ومواد غذائية بسيطة ومبلغ صغير للرحلة.
في المقابل، قال أنجين مسعود -وهو سائق تاكسي تركي اصطف مع عشرات سائقي التاكسي لتوصيل العائلات السورية بأمتعتهم إلى نقطة التجمع والانطلاق- إنه يشعر بالحسرة على هؤلاء المهاجرين ويتمنى لهم حياة طيبة في أوروبا.
ونقلت وكالة رويترز عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يوم الجمعة أنها لم تُبلغ بأي تغيير في سياسة تركيا فيما يتعلق باللاجئين السوريين، كما لم ترد لديها تقارير عن أشخاص يتجهون صوب اليونان أو أجزاء أخرى من أوروبا.
وصرح المتحدث باسم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم عمر جليك في وقت سابق، بأن سياسة حكومته لم تتغير بخصوص اللاجئين، "لكنها الآن ليست بوضع يمكنها فيه ضبط اللاجئين".
أدرنة الحدودية
تنطلق الحافلات من وسط الجانب الأوروبي لإسطنبول إلى ولاية أدرنة التي تقع في أقصى الشمال الغربي للبلاد، وتوجد بالولاية -التي كانت عاصمة للعثمانيين قبل فتح القسطنطينية منتصف القرن 15- بوابة حدودية مع بلغاريا شمالاً (كابي كوليه) وأخرى مع اليونان جنوبا (إبسالا).
ويقطع خط الحدود بين تركيا وبلغاريا الغابات والمساحات الخضراء، بينما يمر خط الحدود بين تركيا واليونان غالبا في منتصف نهر ميريتش الذي يقطعه اللاجئون بقوارب مطاطية صغيرة نحو الغابات اليونانية.
وينتظر كثير من اللاجئين السوريين في إسطنبول وغيرها من المدن التركية، أخبار اللاجئين الواصلين إلى أدرنة عبر الحافلات المجانية، ليتعرفوا إلى طرق العبور. ومع ذلك أدت صعوبة الاتصالات في المناطق الحدودية لانتشار الكثير من الشائعات.
وقال ياسر -وهو أب لولدين من دير الزور بشمال شرق سوريا- إنه ينتظر أخبار وصول الدفعات الأولى من اللاجئين الذين غادروا إسطنبول برا قبل أن يخاطر مع عائلته بالذهاب إلى هناك.
وأضاف أنه سمع بأن اللاجئين -بعد وصولهم لأدرنة- يقطعون مسافة مشيا ويعبرون النهر، وبعدها يكون لديهم تنسيق مع من يسهل لهم السفر إلى بلدان أوروبية أخرى، مؤكدا أن اليونان مجرد معبر وليست وجهة مفضلة للاجئين على الإطلاق.
وأبدى ياسر تردده وتخوفه من الرحلة خصوصا مع عائلته، وقال إنه يخاف أن يضطروا للمبيت في العراء، أو يصعب عليهم العودة مرة أخرى بعد عبور الحدود.
اليونان وبلغاريا
وتحدثت مصادر صحفية يونانية عن وصول أعداد من اللاجئين برا من أدرنة التركية وبحرا عبر إزمير ومناطق بحر إيجه في تركيا باتجاه الجزر اليونانية خاصة كيوس ليسفوس وساموس التي تضم مخيمات للاجئين بينما يزداد تذمر سكانها اليونانيين من موجات اللجوء.
وعلى حسابه بموقع التواصل الإجتماعي تويتر، أكد مراسل ديرشبيغل الألمانية في اليونان غيورغوس كريستيدس وصول أعداد كبيرة من اللاجئين إلى اليونان، مستفيدين من فتح السلطات التركية الحدود، وقال إن بعض اللاجئين تم إيقافهم بينما بقي بعضهم عالقين في المنطقة الحدودية وأطلقت عليهم القوات اليونانية قنابل الغاز المدمع.
وحذرت 17 منظمة حقوقية الأسبوع الماضي من تزايد الكراهية للأجانب وطالبي اللجوء، وأشارت لأوضاعهم الصعبة على الجزر، بينما لم يتم البت في طلبات لجوئهم لأشهر ولم يسمح لكثيرين منهم بالمغادرة إلى البر اليوناني.
وقال إبراهيم -وهو شاب في منتصف العشرينيات نزح من ريف حلب إلى إسطنبول- إن لديه معارف في ألمانيا سيرتبون وصوله إلى هناك في حال استطاعوا الوصول إلى اليونان متجنبين حرس الحدود.
وأضاف للجزيرة نت أنه ينتظر فرصة الذهاب لأوروبا منذ سنوات، ولهذا لم يحتج، بعد سماع خبر سماح تركيا بذهاب اللاجئين، سوى ساعة لتجهيز حقيبته الوحيدة التي يحملها على ظهره.
أكثر أمانا
من جهته، أبدى خالد حماسته للرحلة قائلا إن الحدود البرية أكثر أمانا من السفر عن طريق البحر، ومع ذلك عبر عن قلقه من البقاء في اليونان مضطرا لفترات قد تطول، مبديا تخوفه من صعوبة الوصول منها إلى بلدان وسط أوروبا وغربها.
ووسط تردد أنباء عن منع لاجئين من العبور إلى اليونان من قبل حرس الحدود اليوناني، قال خالد إن اليونان قد تسمح لهم بالمرور إذا زاد العدد مثلما حدث قبل قرابة خمس سنوات، واضطرت لفتح الطريق للاجئين نحو بلدان البلقان في الطريق لوسط أوروبا، بدلا من احتجازهم في مخيمات اللاجئين، حسب تعبيره.
وتمنى خالد أن يكمل دراسته في ألمانيا التي وصفها بـ"قبلة اللاجئين" في أوروبا، وقال إنه كان يعمل في إسطنبول بطريقة غير رسمية لساعات طويلة مقابل أجر بسيط لا يكفيه، متمنيا الحصول على عمل مناسب وحياة أفضل في أوروبا.
المصدر: الجزيرة