قائد الطوفان قائد الطوفان

هيرست: اعتقالات الأمراء الأخيرة أكبر مقامرات ابن سلمان

وكالات- الرسالة نت

قال الكاتب البريطاني، ديفيد هيرست، إن الاعتقالات الأخيرة للأمراء في السعودية، دليل على غباء مستشاري ولي العهد، محمد بن سلمان، وقد تكون أكبر مقامراته.

ولفت في مقاله المنشور في "ميدل إيست آي" إلى أن الاستقرار كان ملازما للمملكة، لكن الحال لم يعد كذلك، فقد ولت تلك المرحلة، ولك أن ترى الاهتزاز العنيف الذي يتعرض له القارب الملكي السعودي بدليل قائمة الأحداث التي شهدتها الأيام القليلة الماضية.

وتابع: "كانت البلاد تحكم من قبل مجلس من الأمراء هم أبناء المؤسس الملك عبد العزيز. وكان هؤلاء يوزعون خيرات البلاد فيما بينهم، مع الحرص على أن تكون جميع فروع العائلة الحاكمة ممثلة".

وأضاف أنه حينما كانت تنشب أزمة "كان يدعى مجلس العائلة للاجتماع وكانت القرارات تتخذ داخله ببطء وروية وحذر شديد، بل وربما بحذر مبالغ فيه".

وأكد أنه بالرغم من كل التوترات العشائرية، كان الاستقرار سيد الموقف، لكن الحال لم يعد كذلك والدليل هو الأحداث التي شهدتها المملكة في الأيام الماضية.

 

وتاليا المقال كاملا: 

 

قد يكون ولي العهد السعودي ومستشاروه من الغباء بحيث أنهم لم يدركوا فظاعة الخطأ الذي ارتكبه حينما أمر بالاعتقالات الأخيرة.

لم يفارق الاستقرار المملكة العربية السعودية طوال وجودها تقريباً.

فهي ملكية مطلقة تتعامل مع كل من يعارض نظام حكمها بقسوة شديدة، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء داخل البلاد والخطف خارجها. في تلك الأثناء استخدم النظام الوهابية أداة لفرض السيطرة والتحكم دينياً واجتماعياً، بينما عمل الملوك على شراء الولاء من خلال ما يوزعونه على الناس من عطايا، ومن ذلك على سبيل المثال المنح الدراسية في الخارج. تلك هي الآلية التي عملت من خلالها المملكة لعقود دون كثير من المشاكل داخلياً.

كانت البلاد تحكم من قبل مجلس من الأمراء هم أبناء المؤسس الملك عبد العزيز. وكان هؤلاء يوزعون خيرات البلاد فيما بينهم، مع الحرص على أن تكون جميع فروع العائلة الحاكمة ممثلة، فكانت وزارة الداخلية من نصيب آل نايف ووزارة الدفاع من نصيب آل سلطان والحرس الوطني من نصيب آل عبد الله ووزارة الخارجية من نصيب آل فيصل والإعلام من نصيب آل طلال، وهكذا.

كانت المناصب الوزارية المربحة تورث من الآباء إلى الأبناء كما لو كانت أثاثاً عائلياً، وبهذه الطريقة كانت الخبرة والتجربة تتراكم وتظل داخل الفرع الواحد من العائلة.

تنافسات شديدة

وحينما كانت تنشب أزمة ما كانت القرارات تتخذ جماعياً، حيث كان يدعى مجلس العائلة للاجتماع وكانت القرارات تتخذ داخله ببطء وروية وحذر شديد، بل وربما بحذر مبالغ فيه. وكان يقال إن السياسة السعودية الخارجية تمارس من وراء ستائر من الخرز، ولهذا الحد كانت غامضة ومبهمة. كانت المملكة مكرسة بالكامل لخدمة المصالح العسكرية والنفطية للولايات المتحدة في الخليج، ولكنها ضمن هذا العنوان العريض كانت لديها أجنداتها الخاصة كذلك.

مقارنة بما جرى هذا الأسبوع، كانت تحدث بعض الخلافات حول الاستخلاف، كما حدث حينما تحدى ولي العهد الأمير فيصل سلطات الملك سعود في ستينيات القرن الماضي، إلا أن تلك الخلافات كانت سريعاً ما تحل وبهدوء. فحينما خسر سعود معركة الصراع على السلطة وأجبر على المغادرة للعيش في المنفى كان غريمه الذي أسقطه من الحكم في وداعه في المطار.

كما جرت تنافسات شديدة، فقد كان الصحفي المغدور جمال خاشقجي من أنصار محمد بن نايف الذي كان يدير وزارة الداخلية بقبضة من حديد، فيسجن ويعدم المئات. ولكن الأمر كان مختلفاً تماماً في حالة الأمير أحمد بن عبد العزيز الذي ما أن استلم نفس المنصب حتى راح يطلق سراح المساجين.

لم يمل خاشقجي أبداً من القول إنه لم يكن ثمة فرق بين الأمير أحمد وابن أخيه محمد بن نايف فيما عدا أن أحدهما كان ولياً للعهد بينما لم يكن الآخر كذلك. وأذكر أنني وجدت ذلك بشكل عام حكماً جائراً.

ولكن، وبالرغم من كل التوترات العشائرية، كان الاستقرار سيد الموقف.

لم يعد الحال كذلك، فقد ولت تلك المرحلة، ولك أن ترى الاهتزاز العنيف الذي يتعرض له القارب الملكي السعودي بدليل قائمة الأحداث التي شهدتها الأيام القليلة الماضية.

قرارات متسرعة

فهناك أولاً الحملة التي شنت ضد شقيق الملك، أي ضد ابن الملك المؤسس عبد العزيز، والذي كان يظن كثير من الناس حتى وقت قريب أنه لا قبل لأحد بمسه بسوء. في نفس تلك الفترة تمكن الحوثيون من الاستيلاء على مدن في مديرية خب والشعف شمال شرق محافظة الجوف على الحدود مع المملكة العربية السعودية، إلى أن تم دحرهم وإجبارهم على التقهقر يوم الاثنين. كما تم إغلاق حدود البلاد، وتم إيقاف العمرة إلى مكة فقط ستة أسابيع قبل بدء شهر رمضان، وتم إغلاق المنطقة الشرقية بالكامل، بينما لم يتم الإعلان رسمياً سوى عن عدد قليل من الإصابات بعدوى فيروس الكورونا، وانهار الاتفاق الذي أبرم مع الروس قبل ثلاثة أعوام فقط، وقامت الرياض بإغراق السوق العالمية بالنفط، مما أدى إلى هبوط حاد في الأسعار إلى مستويات لم يشهدها العالم منذ حرب الخليج في عام 1991.

كل واحد من هذه الأحداث يرجع إلى قرار رجل واحد: إنه محمد بن سلمان، والذي درج على أن يعالج كل كارثة تقع من خلال الانتقال إلى الكارثة التي تليها، بحيث باتت القرارات تتخذ بسرعة فائقة كما لو كانت رصاصاً ينطلق تباعاً من فوهة مدفع رشاش دون أدنى تفكير أو تدبر في العواقب.

خذ على سبيل المثال القرار الخاص بالنفط. فقد قدرت صحيفة ذي فاينانشال تايمز أن القرار سوف يكبد دول الخليج هذا العام مائة وأربعين مليار دولار من دخلها النفطي فيما لو بقي سعر النفط الخام عند مستوى ثلاثين دولاراً للبرميل. يمكن لدول الخليج الثرية، مثل الكويت والإمارات وقطر، أن تتكيف مع ذلك، أما السعودية والبحرين وعمان فلا قبل لها بتحمله. فعلى سبيل المثال تحتاج ميزانية المملكة العربية السعودية حتى تتجنب العجز إلى أن يكون سعر البرميل 83 دولاراً.

ولربما كان ذلك هو السبب الذي من أجله أقيل أحد مهندسي خطة الإصلاح الاقتصادي لعام 2030، محمد التويجري، من منصبه في وزارة الاقتصاد والتخطيط الأسبوع الماضي وتم تعيينه مستشاراً. فقد كان ذلك هو الرجل الذي حذر من أن المملكة العربية السعودية إذا لم تصلح وضعها المالي فإنها ستفلس "خلال ثلاثة أو أربعة أعوام".

كان ذلك قبل ما يزيد عن ثلاثة أعوام.

المقامر

في أحسن الأحوال، ينبغي تصنيف ضخ النفط بالمعدل الذي يتم الآن على أنه نوع من المقامرة. إلا أن ذلك ما هو سوى واحد من قائمة متنامية من المقامرات.  ستكون المقامرة التالية هي الرمي في سلة القمامة بصورة المملكة العربية السعودية، التي بذل الكثير على صنعها، كزعيم للعالم الإسلامي السني وكراع موثوق به للأماكن الإسلامية المقدسة.

كان ذلك بالتأكيد مصدراً مهيباً لما كانت تملكه السعودية من قوة ناعمة. كما كان مصدراً للشرعية التي يتكئ عليها آل سعود.

شعر محمد بن سلمان بالخطر يحدق به بمجرد أن دعا رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد زعماء كل من تركيا وقطر وإيران – وكلهم من خصوم المملكة العربية السعودية – إلى قمة إسلامية مصغرة في كوالالمبور.

بدلاً من أن ينضم إلى القمة ويتبناها، فتح محمد بن سلمان نيران وسائل التواصل الاجتماعي لديه عليها، فأوجد من حيث لم يقصد منافساً لمنظمة التعاون الإسلامي. لقد تنمر على رئيس وزراء باكستان، عمران خان، وحمله على الامتناع عن حضور القمة. ما لبث عمران فيما بعد أن اعتذر عن ذلك لمهاتير.

والنتيجة؟ نجم عن ذلك رفع أسهم ماليزيا وتركيا وقطر وحتى الباكستان في العالم الإسلامي السني بينما تراجعت أسهم المملكة العربية السعودية، ولكن ليس بالسرعة التي تراجعت معها بسبب قرار إغلاق الحدود في وجه المعتمرين قبل ستة أسابيع فقط من بدء شهر رمضان.

التكتم على الكورونا

لا يُعرف مدى انتشار فيروس الكورونا داخل المملكة العربية السعودية لأن الأطباء لا يجرون اختبارات على الناس للكشف عن الفيروس، وكما هو الحال في مصر، تبذل الجهود فقط للتهوين من وجوده. هل يصدق أحد بأنه في الوقت الذي بلغ عدد الإصابات في إيران تسعة آلاف حالة وفي البحرين 189 حالة وفي العراق 71 حالة وفي الإمارات العربية المتحدة وفي الكويت 58 حالة لكل منهما بينما عدد الحالات في المملكة العربية السعودية هو 21 فقط لا غير؟

ولا يعرف أيضاً إلى متى ستستمر هذه الإغلاقات. وفي هذه الأثناء تتنامى حالة السخط تجاه هذه القرارات العشوائية التي يصنع بعضها داخل المملكة وبعضها خارجها، وما من شك في أن حالة السخط هذه ستصبح مصدر خطر يحيق بولي العهد، إذ أنه يخسر الكثير من الدخل ويقامر في نفس الوقت بشرعيته الدينية كملك قادم يتوقع تربعه على عرش المملكة العربية السعودية.

إذن، بات السعوديون محشورين في الزاوية، فهم لا يجرؤون على الاعتراف بحجم المشكلة، ولا يمكنهم في نفس الوقت تبرير القرار بإغلاق المنطقة الشرقية بناء على مبررات طبية. ما من شك في أن قرار فرض الحجر الصحي على مناطق القطيف والإحساء التي تقطنها أغلبية شيعية إنما اتخذ لأسباب سياسية.

وهذا يقودني إلى قرار محمد بن سلمان الأخير والمتمثل في الأمر بإلقاء القبض على عمه أحمد بن عبد العزيز.

في حماية ترامب

كان محمد بن سلمان يعرف يقيناً أن عمه حصل على ضمانات من المخابرات البريطانية MI6 والمخابرات الأمريكية السي آي إيه بأنه لن يعتقل لدى عودته إلى البلاد، فهذا معروف بسبب أن أحمد بن عبد العزيز كان قد أعلن عنه قبل أن يغادر منزله في لندن. وإذ يتحدى ولي العهد السعودي تلك الضمانات فإنه إنما يفعل ذلك اعتماداً على الحماية التي يوفرها له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر.

ولكن، لنفترض أن أياً من هذين الرجلين لن يبقى في منصبه بعد شهر نوفمبر / تشرين الثاني القادم، فماذا يظن محمد بن سلمان أنه سيحدث للملفات الضخمة التي بحوزة السي آي إيه حوله؟ سوف تمرر، لنقل، إلى الرئيس جو بايدن، المعروف بصهيونيته وتأييد إسرائيل له، ولكن رغم ذلك يُتوقع منه أن يصدر عن وجهة نظر مختلفة. كل من يتوقع أن يُحدث بايدن تغييراً في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوس فسيطول انتظاره، ولكن ذلك لا يعني أن شيئاً لن يتغير.

ستكون لدى بايدن مصلحة شخصية في تفكيك شبكة ترامب الخاصة من الحلفاء الأجانب، ومحمد بن سلمان واحد منهم. إلا أن الولايات المتحدة ستبقى ما ذلك داعمة للمملكة ولكن ليس بالضرورة للملك الجديد.

في الحد الأدنى، يعتمد قرار تصفية عملاء معروفين للسي آي إيه داخل المملكة، مثل محمد بن نايف، على فرضية أنه سوف يوجد داخل البيت الأبيض باستمرار من يرغب في كبح جماح السي آي إيه ومنعها من المقاومة. ولكن في مثل الظروف السياسية الحالية المضطربة داخل الولايات المتحدة سيكون ذلك بمثابة مقامرة كبيرة.

هل يمكن أن يرغب أحد – فيما عدا ترامب – في أن يرى ولي عهد أرعن ومضطرب يصبح ملكاً في بلد يعتبر بحق محمية عسكرية للولايات المتحدة، لا يمكن مقارنتها لا بروسيا ولا بالصين ولا بإيران ولا بتركيا؟

هذه هي أكبر مقامرة قام بها محمد بن سلمان منذ أن أصبح ولياً للعهد. تكمن المشكلة الحقيقية في أن ولي العهد السعودي ومستشاريه قد يكونون من الغباء بحيث أنهم لم يدركوا فظاعة الخطأ الذي وقع فيه للتو.

عربي21

البث المباشر