أذكرُ انه في المرحلة الجامعية في جامعة محمد الخامس بالمملكة المغربية حضرتُ مناقشة رسالة ماجستير لصديق من سوريا " تخصص العلاقات الدولية " كانت بعنوان " الثوابت في السياسة الخارجية السورية "، وكان مشرفه الدكتور الفلسطيني إبراهيم أبراش، فكان أول ملاحظة من المناقِش للمناقَش: لا يوجد ثوابت في السياسة.
قد يقول قائل وما علاقة هذا بذاك؟ سأخبرك بالأمر.
ثمة أحداثٍ تقلب مسار الحاضر وتؤسس لصياغة جديدة للمستقبل، منها وبكل جدارة " كورونا "، والتي يمكن اعتبارها من أبرز أحداث القرن الواحد والعشرين، ويمكن القول بأنها قسمت الزمن ل " ما قبل كورونا و" ما بعد كورونا "، وغيرت ملامح الحياة بدءا من علاقة المرء بنفسه وصولا للعلاقات الدولية.
المعروف أن العلاقات الدولية بين الدول إما أن تكون تبعية أو ندية أو متساوية، وهي في كل الحالات محكومة بضوابط
تراعي مصلحة الطرفين بنسبٍ مختلفة، وتخضع لمعطيات إما ذاتية أو موضوعية، ومن أهم المعطيات الموضوعية حالياً " كورونا " والتي ستؤثر بلا شك في مسار وخريطة العلاقات بين الدول ، فما هي اوجه التأثير؟
قرأت قبل فترة مقالاً للمفكر الأمريكي " ناعوم تشومسكي" يتوقع تغييراً في النظام العالمي الحالي وما يتبعه من تغير في العلاقات الدولية، حيث توقع أن الاتحاد الأوروبي سيختفي وسيصبح من الماضي، واختفاء محتمل لأعداء، كإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا، وتدهور الصين وروسيا، وبروز أرضية جديدة للولايات المتحدة الأمريكية بأمريكا اللاتينية.
ما ذكره " تشومسكي" يؤكد اقتناعه بأن كورونا مؤامرة أمريكية، وبغض النظر عما يقصده " تشومسكي" ب" اختفاء" و"تدهور" فإن التغيير في طبيعة العلاقات الدولية قادم لا محالة، خاصة بين الدول الكبرى على اعتبار إنها يمكنها أن تقرر وترفع صوتها ضد ما يعارض مصالحها عكس الدول التابعة لقرار دول اخرى، لكن لا أظن أن الأمر سيصل لحد اختفاء دول وتصبح كأنها لم تكن مثل ايران وكوريا الشمالية وفنزويلا، صحيح قد يهفت بريقها و تبقى بلا أضواء، لكنها لن تختفي ، وهنا أذكر ما سمعته من "محمد حسنين هيكل" ذات يوم أنه من الطبيعي أن تستيقظ ذات يوم وتجد العالم بلا "اسرائيل " ، لكنه ليس من المنطقي أن تستيقظ ذات يوم وتجد ايران غير موجودة، لأن ايران لها جغرافيا وتاريخ ومقومات الدولة، بينما "اسرائيل" تفتقد لتلك المقومات فهي بلا تاريخ وبلا جغرافيا تاريخية ، وما ينطبق على ايران ينطبق على دول توقع " تشومسكي" اختفاءها.
أوجه التغيير في العلاقات الدولية كما أتوقعها، هي تخضع لمعطيين:
الأول: لو اكتشف العالم وتأكد أن " كورونا " حرب بيولوجية امريكية ضد الصين؟
ستفقد امريكا الكثير من الدول التي لصوت المواطن فيها تأثير وسيتجهون تلقائيا لأقطاب اخرى مثل الصين وروسيا في محاولة للخروج من القفص الأمريكي، وهذا سيؤثر على هيبة امريكا داخليا وخارجيا وفي المنظمات الدولية.
الثاني: لو اكتشف العالم أن " كورنا " خدعة صينية "؟.
ستفقد الصين أصدقائها وسيتجهون تلقائيا لأمريكا، وهذا سيؤثر على سمعة الصين واقتصادها وستعمل امريكا جاهدة لإبعاد كل الدول العربية والتي تحت وصاية امريكا عن الصين وستستخدم قوتها لإنفاذ هذا الأمر.
عزيزي القارئ: أعرفت الآن ما علاقة المقدمة بالموضوع؟ إن السياسة الخارجية لأي دولة تتغير بتغير الظروف والمعطيات والمصالح، فصديقي اليوم قد يكون عدوي غدا، وعدوي اليوم قد يكون صديقي غدا.
أظن أن مغزى المقال قد وصلك، واسمحي لي قبل الوداع بأن اذكرك واذكر نفسي بقول الله عزوجل “وتلك الأيام نداولها بين الناس".