مستغلة جميع الوسائل؛ تحاول بعض الدول التي تهرول نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي استخدام كافة الطرق لتعزيز العلاقة التي تُقيمها على حساب القضية الفلسطينية.
ويبدو أن انتشار وباء فايروس كورونا، وفّر لتلك الدول مناخ مساعد في تنفيذ ما تسعى إليه في الخفاء من تطبيع وتوطيد العلاقة، لكن هذه المرة تحت ذرائع إنسانية ومبررات مكافحة الفايروس.
ويؤكد ذلك ما قالته دبلوماسية "إسرائيلية"، بأن أزمة كورونا، توفر فرصًا جديدة للعلاقات "الإسرائيلية" العربية، سواء من خلال تطوير الاتصالات الدبلوماسية السرية، أو المنشورات المفتوحة على وسائل التواصل الاجتماعي، وبذلك تواصل (إسرائيل) مع جيرانها العرب مكافحة الفيروس التاجي، رغم أن العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام ركزت على شرائها أقنعة لمكافحة الفيروس من كافة أنحاء العالم.
وأضافت رينا باسيست في مقال لها على موقع المونيتور، أن الأخبار "لم تتناول تقديم "إسرائيل" للأردن خمسة آلاف قناع طبي، لأن وزارتي الخارجية والحرب تعمدتا إبقاء الموضوع سرياً وغير بارز، ولأن الجيش "الإسرائيلي" أشرف على تسليمها لنظيره الأردني، وسهل السفير "الإسرائيلي" في الأردن أمير ويسبرود عودة مائتي طالب جامعي عربي "إسرائيلي" يدرسون في المملكة، بعد أن أغلقت الحركة عبر حدودها".
وأشارت باسيست التي عملت سابقا بوزارة الخارجية، ومساعدة للسفير الإسرائيلي في كولومبيا، إلى أن "الاتصالات الإسرائيلية مستمرة مع جارة أخرى، حيث يحافظ كبار مسؤولي البلدين على قناة حوار مفتوحة حول الوباء.
وكشفت حادثة وقعت مؤخراً في المغرب عن واجهة أخرى لجهود (إسرائيل) تجاه الدول العربية في خضم أزمة الفيروس، فرغم عدم وجود علاقات رسمية، فإن جوازات السفر الإسرائيلية مقبولة لدخول المغرب".
دون مبررات
ويرى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف أن ما يجري من قبل بعض الدول باستغلال فايروس كورونا هو أداة من أدوات التطبيع، ولا يعنيها من هذا الأمر محاربة الوباء وتصدير أدوات مكافحة الفايروس لشعوبها بقدر ما يعنيها تعميق العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي.
ويوضح الصواف في حديثه لـ"الرسالة" أن تلك الدول لا تحتاج إلى مبررات للاستمرار في تطبيعها بقدر ما يعنيها التعاون والمحافظة على علاقة حميمية، لاسيما وأن هناك تعاون كبير واستقبال لقادة الاحتلال ووزرائه في تلك الدول.
ويبين أن المسألة ليس لها علاقة بمكافحة الفايروس بقدر ترسيخ العلاقة وتعزيزها، فتلك الدول مهرولة من الأساس، ولكنها تسعى لتقديم المزيد من الولاء للاحتلال الصهيوني، على حد وصفه.
وحول تداعيات ذلك على القضية الفلسطينية، يؤكد الصواف أن ما صنعه الرؤساء في البيت الأبيض على مدار السنوات الماضية، أوصل الأنظمة للهرولة للتطبيع من أجل حمايتها والمحافظة على بقائها.
ويشير إلى أن تلك الدول طلّقت القضية الفلسطينية منذ زمن بعيد ولا يعنيها مستقبل الفلسطينيين بقدر ما يعنيها الحفاظ على العلاقة مع الاحتلال وترسيخها.
كورونا التطبيع
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي وليد الهودلي أنه كما يحارب فيروس كورونا في الصين وفي أي بلد قد تظهر فيه هذه الفيروسات اللعينة، يبقى لدينا ما هو أعظم وأخطر.
وأشار الى الفيروس يصيب جسد المريض، وفيروس التطبيع يصيب جسد الأمّة والقضية، والاثنان عرضة للانتشار والتوسع، إن لم نضع حدًّا لهما، ثم من شأن كل منهما أن يدمّر ويهتك ويفسد أرواحنا، ويعكّر حياتنا ويضعها على مهب الريح السموم التي لا تبقي ولا تذر.
ويضيف الهودلي في مقال له أن من يصاب بفيروس "التطبيع" (هذا إذا أحسنا الظن به ووضعنا غشاوة على عيوننا وصرفنا النظر عن كل المحاولات الفاشلة) أن يؤثر على الشارع الإسرائيلي، ويحدث اختراقًا في الرأي العام عندهم، فينتج تيارًا باحثًا للسلام معنا، وهذا مثل أمل إبليس في الجنة، لأن كل الدراسات والأبحاث واستطلاعات الرأي وتشكيلة الأحزاب وبرامجها الانتخابية تشير بكل وضوح إلى المجتمع يسير قدمًا إلى المزيد من التطرف والمزيد من اليمينية السوداء، حتى أن قادة الأحزاب وصلت إلى حالة من الجنون في المزاودة والتمادي في التعدّي على الحقوق الفلسطينية.
وفي نهاية المطاف يمكن القول إن جُرم التطبيع مع الاحتلال لا يمكن أن يُخفى تحت أي غطاء انساني وبذرائع مختلفة، فالقضية الفلسطينية أـحوج ما تكون إلى التضامن والعربي والدولي في ظل ما تواجه من مخاطر كبيرة، تفوق مكافحة فايروس كورونا.