قال الكاتب عبد الله العودة -في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست- إن عبد الله الحامد توفي بعد دخوله في غيبوبة وهو في السجن. ووفقا لعائلته، حُرم الناشط السعودي من إجراء عملية قسطرة قلبية.
وبعد أن أغمي عليه، تُرك الحامد لساعات ملقى على الأرض قبل نقله إلى وحدة العناية المركزة في مستشفى الشميسي بالرياض، وذلك حسب شهود عيان. لذلك، يجب تحميل السلطات مسؤولية وفاة الحامد البطيئة، كما يقول العودة.
مانديلا السعودي
والحامد، الذي توفي عن عمر 69 سنة، يعد بلا منازع أبرز الإصلاحيين في المملكة. كان ناشطا مخضرما وأحد المخططين البارزين للحركة التي طالبت بتشكيل دستور والانتقال نحو الديمقراطية.
ولفت الكاتب إلى أنه قبل مقتل الصحفي جمال خاشقجي بوحشية عام 2018، شارك قصة مع جمهوره حول رد الأسرة المالكة على الالتماسات المتداولة. وبناء على طلب الملك عبد الله، لدراسة الاستجابة المناسبة للربيع العربي التي ينبغي أن تتخذها السعودية، والطرق التي يمكن للمملكة أن تمنع بها الاضطرابات التي كانت تهز الدول المجاورة.
وباستثناء الأمير سلمان (آنذاك) والأمير خالد الفيصل، خلصت اللجنة إلى ضرورة إجراء انتخابات عامة ووضع آليات ديمقراطية والمزيد من الحريات. ومع ذلك، تم تعليق الأمر فجأة عندما اعتلى الملك سلمان العرش عام 2015 وعين ابنه محمد وليا للعهد.
وصرّح الكاتب بأنه في إحدى محادثاته الأخيرة مع خاشقجي، وصف الحامد بأنه "(نيلسون) مانديلا السعودي" وأعرب عن أسفه لأن قضيته لم تلق الاهتمام أو الغضب العالمي الذي تستحقه. ومثل مانديلا، الذي حطمت كلماته وحركاته نظام الفصل العنصري، سيبقى إرث الحامد الديمقراطي في السعودية.
لأجل سعودية حرة
وكان الحامد فُصل من عدة وظائف شغلها، كما تعرض للاعتقال في مناسبات عديدة، وكانت المرة الأولى عام 1993، وآخر مرة في 9 مارس/آذار 2013، وحُكم عليه بالسجن 11 سنة.
الحامد الذي ناضل من أجل "سعودية حرة" وقع عام 2013 -إلى جانب العديد من المفكرين والناشطين السعوديين البارزين- على عريضة "رؤية الأمة الحالية والمستقبلية" التي دعت إلى تمكين المواطنين من الحقوق الأساسية وإجراء الإصلاحات السياسية، مثل الانتخابات، وفصل السلطات، وإنهاء الاعتقالات التعسفية.
مع انتشار العريضة، اجتمع الحامد، رفقة آخرين، بولي العهد (آنذاك) الأمير عبد الله بن عبد العزيز الذي ادعى مشاركتهم لآرائهم وقال لهم "رؤيتكم هي رؤيتي، ومشروعكم هو مشروعي". ولكن مرت السنوات، وتوفي الملك عبد الله دون أن يفي بوعوده للحامد وزملائه.
رغم الاعتقالات المتكررة للحامد، فإنه أسس عام 2009 رفقة زملائه الجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية (حسم) التي وصفت بأنها كانت مشروعًا سياسيًا يهدف إلى القيام بما فشلت الدولة السعودية في تحقيقه لفترة طويلة: التمثيل والتنوع والديمقراطية والحرية.
على عكس العديد من المحادثات السياسية التي تتكشف بالمملكة، تجاوزت "حسم" الاختلافات الأيديولوجية والسياسية والطائفية وحققت شعبية واسعة بين مختلف فئات المجتمع. وعام 2011، وقّع عدد غير مسبوق من المواطنين على عريضة تاريخية "نحو دولة الحقوق والمؤسسات" التي دعت إلى الديمقراطية وتوسيع الحقوق والحريات.
تأثير مدمر
وأفاد الكاتب أن الحامد كان له تأثير خاص ومدمر على شبكة الفساد داخل المملكة. وفي كتبه العديدة، أعاد تفسير الأساس التقليدي للفكر السياسي الإسلامي الحالي، وأبطل القاعدة الأيديولوجية التي يستخدمها "رجال الدين المتشددون" الذين ترعاهم الدولة لتبرير السلطة المطلقة والأنظمة الاستبدادية.
إضافة لذلك، أعاد الحامد تفسير العقد الإسلامي، المعروف بالبيعة، للتأكيد على ضرورة توفر الموافقة الثنائية حتى يصبح أي عقد ساري المفعول. وبموجب هذا التفسير، ستكون موافقة الناس عنصرا ضروريا لأي عملية سياسية تعتبر صالحة.
وما جعل الحامد فعالا للغاية أنه تبنى خطابا لم يمح التقاليد السياسية أو يرفض السياق المحلي، بل أعاد تفسيرها بطريقة أشركت الجمهور في صنع القرار، مما يمهد الطريق للديمقراطية والحريات الأساسية.
غير أن الدولة اعتبرت أفكار الحامد تهديدا وجوديا للنظام الملكي. وفي محاولة لإسكاته وزملائه الذين دعوا إلى الديمقراطية، حظرت جمعية الحقوق المدنية والسياسية في البلاد، واعتقلت الأعضاء المؤسسين وجمدت أصولهم.
المصدر: واشنطن بوست