صالح النعامي
كانت علامات التوتر بادية على الجمهور الذي تكدس في القاعة الكبيرة، قبل أن يعلن عموانئيل روزين كبير مذيعي قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية التي تحظى بأكبر نسبة مشاهدة من قبل الإسرائيليين عن اسم الشخص الذي اختارته القناة ليكون " رجل العام " العبري المنصرم.
ومن أجل اثارة فضول الجمهور أخذ روزين يعدد " إنجازات " الشخصية التي تم اختيارها قبل الإعلان عنه، وأخذ يقول : " أنه الرجل الذي لم يقدم في حياته إلا الأمور الطيبة..أنه الشخص الذي اشتهر بقطع رؤوس الفلسطينيين وفصلها عن أجسادهم باستخدام سكين ياباني..أنه الرجل الذي ولد وسكين بين أسنانه..أنه رئيس جهاز الموساد مئير دجان ".
وما أن أنهى روزين اعلانه عن إسم " رجل العام " حتى ضجت القاعة بالصفيق الحاد. ولم يفت روزين التلميح إلى بعض إنجازات دجان السرية وخصوصاً تصفية قائد شعبة العمليات في حزب الله عماد مغنية، وتقديم المعلومات الإستخبارية التي سمحت لسلاح الجو الإسرائيلي بقصف المنشأة البحثية في شمال شرق سوريا، وغيرها.
لقب و" إنجازات "
وبعد الإعلان عن " رجل العام "، عرضت القناة الثانية تقرير بروفايل حول دجان تناولت " إنجازاته " خلال خدمته العسكرية كضابط وكرئيس لجهاز " الموساد ".
واللافت أن جميع معارف وزملاء دجان الذين أجريت معهم مقابلات خلال التقرير أثنوا بشكل خاص على " إبداع " دجان في قتل الفلسطينيين والعرب.
ففي خلال التقرير قال الجنرال المتقاعد يوسي بن حنان الذي كان زميلاً لدجان أنه كان شاهد عيان على إصرار دجان على قتل الفلسطينيين بنفسه بعد استسلامهم، وهذا كان سبب لجعل بن حنان يكيل المديح لصديقه المقرب. اللافت للنظر أن اختيار دجان لرجل العام سبقه وتبعه نشر العديد من التحقيقات الصحافية حول الفظائع التي ارتكبها دجان ضد المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين تحديداً.
وتؤكد هذه التحقيقات التي قام بها عدد من كبار الصحافيين الإسرائيليين أنه تمت ترقية دجان فقط بفضل هذه الفظائع. فالصحافي ألوف بن أحد كبار المعلقين في صحيفة "هارتس" العبرية نشر تحقيقاً حول شخصية دجان بتاريخ 26-9-2008 أشار فيه إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شارون أصر في حينه على تعيين دجان كرئيس لجهاز الموساد " بفضل خبرته الفائقة وهوايته المتمثلة في فصل رأس العربي عن جسده "، على حد تعبيره.
ويشير دجان إلى أن العلاقة بين شارون ودجان تعود إلى مطلع السبعينات من القرن الماضي، عندما كان شارون قائداً للمنطقة الجنوبية وكان دجان قائداً لوحدة الموت " ريمونيم "، حيث كلف شارون دجان بمطاردة المقاومين الفلسطينيين في قطاع غزة وإعدامهم بعد إلقاء القبض عليهم. شارون كان يسره كثيراً رؤية دجان وهو يقوم شخصياً بقطع رؤوس المقاومين الفلسطينيين بعد قتلهم.
فظائعه في غزة
ويؤكد الصحافي بن أن عدداً من الجنود الذين خدموا تحت إمرة دجان في قطاع غزة في تلك الفترة أصيبوا بعقد نفسية بسبب تنفيذهم الأوامر التي أصدرها دجان بشأن تنفيذ أحكام الإعدام الميدانية بحق الفلسطينيين بالأساليب الأكثر فظاعة، كما أن عدداً من هؤلاء الجنود بعد أن تسرح من الخدمة العسكرية تورط في عمليات قتل على خلفيات جنائية، حيث أكدوا خلال محاكماتهم أنهم أقدموا على ذلك متأثرين بالفظائع التي كان يرتكبونها ضد الفلسطينيين تحت إمرة دجان.
الصحافي جدعون ليفي كشف في مقال نشره بتاريخ 2-10-2008 النقاب عن أن الرقابة العسكرية حظرت قبل عدة سنوات نشر تحقيق أعده عدد من الصحافيين حول الفظائع التي ارتكبها دجان ضد المدنيين اللبنانيين عندما تولى قيادة الجيش الصهيوني في جنوب لبنان في الثمانينيات من القرن الماضي. وإن كان الرقيب العسكري الإسرائيلي يسمح بنشر التحقيقات التي تؤكد أن هواية دجان تتمثل في قطع رأس الفلسطيني وعزله عن جسده، فأنه يمكن الافتراض أن ما يحظر الرقيب نشره هو أكثر فظاعة من ذلك.
دغان في " المغازي"
وتروي إحدى السيدات التي تقطن مخيم المغازي للاجئين الفلسطينيين بعض من الفظائع التي ارتكبها دغان في مخيمها. وتقول السيدة أنه في أحد أيام شهور تموز من العام 1971 وعندما كانت عائدة إلى بيتها الذي يقع في الطرف الغربي من المخيم بعد زيارة إحدى صديقاتها التي تقطن شرق المخيم، لاحظت أن الشارع الرئيسي الذي يخترق المخيم قد خلا من المارة تماماً في مؤشر على أن المخيم قد تعرض لعملية اقتحام من قبل أشخاص يعتمرون قبعات عسكرية حمراء اللون ( عناصر وحدة ريمونيم ).
وأضافت أنها عندما اقتربت من مسجد المخيم الكبير شاهدت مشهداً لن تنساه مادامت حية ترزق، حيث شاهدت الجنود وهم يطلقون النار على ثلاثة شباب فلسطينيين، وبعد ذلك قام جندي بوضع أحد الشباب القتلى في حاوية للنفايات قريبة من المسجد، منوهةً إلى أنه رغم الشعور بالخوف الذي كان مسيطراً عليها إلا أن المشهد استفزها وأصابها بالذهول لدرجة أنها اندفعت نحو الجنود وحاولت الحيلولة دون وضع الشابين الآخرين في نفس الحاوية، فأوسعوها ضرباً بأعقاب بنادقهم وركلاً بأرجلهم حتى سالت الدماء من وجهها.
شهادات صهيونية
اللافت أن كلاً من ألوف بن والصحافي بن كاسبيت يؤكدان أن دجان قد حصل على وسام " الجسارة " على " انجازاته " كقائد لوحدة " ريمونيم ". ويجزم جدعون أنه لم يتولى شخص رئاسة جهاز " الموساد " ارتبط اسمه بفظائع وجرائم وسفك دماء كما هو الحال بالنسبة لدجان.
ويقول رونين بريغمان مراسل الشؤون الإستخبارية في صحيفة " يديعوت أحرنوت " العبرية، أوسع الصحف الصهيونية انتشاراً في تحقيق نشره بتاريخ 17-8-2008 أن شارون كان متذمراً من أسلوب أفرايم هليفي سلف دجان في منصب رئيس الموساد لأنه الجهاز في عهده لم يقم بعمليات تصفية تدلل على قوة "إسرائيل" وذراعها الطويل، فضلاً عن تكليفه بمهمة إحباط المشروع النووي الإيراني، لذا اختار دجان ليعيد للموساد " مجده ".
ويشير بريغمان إلى أن قائمة العمليات التي نفذها الموساد في عهد دجان قوبلت برضا شديد من قبل شارون وخليفته أولمرت، ومنها تصفية عماد مغنية قائد شعبة العمليات في حزب الله، تفجير مصنع لإنتاج الأسلحة الكيماوية في سوريا أسفر عن مقتل عشرات الخبراء السوريين والإيرانيين، توفير المعلومات التي سمحت بقصف المنشأة البحثية في شمال شرق سوريا، والتي تزعم "إسرائيل" أنها كانت مفاعل نووي سوري أقامه خبراء من شمال كوريا. وينوه بريغمان إلى أن الموساد في عهد دجان نجح في تصفية كل من رمزي نهاره، أحد التجار المرتبطين مع حزب الله وغالب عوالي الناشط في الجهاز العسكري للحزب، وعلي حسين صالح السائق في السفارة الإيرانية في بيروت، وأبو حمزة قائد الجهاد الإسلامي في جنوب لبنان وغيرهم.
اصطفاء المجرمين
ويروي كل الصحافيين الذين كتبوا حول دور الموساد تحت إمرة دجان أن أولمرت كان " مولعاً " إلى حد كبير بقائمة العمليات التي ينفذها " الموساد ". ويشير هؤلاء الصحافيين إلى أن دجان يتوجه إلى مكتب أولمرت صباح كل يوم خميس وهو يحمل قائمة بالعمليات التي يطلب من أولمرت المصادقة على تنفيذها، منوهين إلى أن أولمرت لم يتردد في المصادقة على تنفيذ جميع العمليات التي طلب دجان تنفيذها.
وهناك إجماع في "إسرائيل" على أن دجان يعتبر الآن الشخصية الأكثر تأثيراً على دائرة صنع القرار في "تل أبيب"، وبسبب " الإنجازات " المنسوبة إليه، فقد أصر أولمرت مرتين على تمرير قرار بتمديد فترة ولاية دجان كرئيس للموساد.
أنها مفارقة تثير الاستفزاز أنه في الوقت الذي يسارع العالم إلى وصم حركات التحرر العربية والفلسطينية "بالإرهاب"، فأنه يغض الطرف عن حقيقة أن "إسرائيل" هي " الدفيئة " التي تنتج "الإرهابيين" الأكثر سادية وإجراماً، ليس هذا فحسب، بل أن مدى الإسراف في قتل الأبرياء يصبح المعيار الذي يتم على أساسه اصطفاء العسكريين وترقيتهم وتوكيلهم بمزيد من المهام.
"إسرائيل" تعيق التوصل لصفقة تبادل أسرى مع حركة حماس والهادفة إلى إطلاق جنديها المختطف جلعاد شاليط بحجة أنها لا يمكن أن توافق على إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين أدينوا بقتل جنود الاحتلال والمستوطنين، لكنها في ذات الوقت تحتفي بأولئك الذين يجيدون فن فصل رأس العربي عن جسده.!!!!