"رمضان أوله مرق، وأوسطه حلق، وآخره خرق" مثل شعبي قديم يقسم الشهر الفضيل وطقوسه إلى ثلاثة أقسام، وصولا الى الطقس الأهم وهو التحضير لعيد الفطر المبارك، حيث يشير المثل الدارج إلى أن تحضيرات رمضان تبدأ بالطعام، ثم تنتصف بتحضيرات كعك العيد وتنتهي بشراء الملابس الجديدة "
ولم تتغير العادات قديما عنها اليوم، حيث يبدأ العيد بالصلاة في المساجد ثم اجتماع رجال العائلة الواحدة "الحمولة" في بيت كبير العائلة لتهنئته بالعيد بعد تناول الطعام الذي كان منذ القدم السمك المملح" الفسيخ" الذي يعتبر تقليدا عربيا من زمن الفراعنة.
في ذلك الوقت كانوا يقدمون "الفسيخ" قربانا للآلهة ثم بدأ تناوله في المناسبات كعيد شم النسيم وعيد الفطر المبارك لأنه يساعد الصائم كما يعتقد البعض على شرب أكبر كمية من الماء وتعويض فقدان جسمه من الماء في شهر الصيام.
ورغم التحذيرات الطبية من مضار الاكثار من تناول الفسيخ إلى أنه بقي تقليدا عربيا منذ القدم وصل الى البلدات الفلسطينية وبقي حتى اليوم طعام الإفطار في أول يوم من أيام عيد الفطر المبارك .
واستكمالا لمسيرة اليوم الأول في العيد تعود أبناء الحمولة الواحدة قديما على التجمع لزيارة بنات العائلة وتقديم التهنئة لهن، خاصة المتزوجات في عائلات غريبة ويسمونهن (غرايب)، حيث ترسل الأمهات كعك العيد مع الأشقاء لبناتهن تعبيرا عن صلة الرحم وتهنئة بالعيد.
وللنساء خاصة طقوسهن في العيد، وقد ذكر عن بعض السلف القديم أن فتيات الحي كن يلبسن في المدن الفلسطينية الكبيرة ثيابهن التقليدية وأثوابهن المطرزة ويذهبن في مسيرة واحدة لزيارة البيوت وينشدن نشيد العيد المعروف
بكرة العيد وبنعيد * بنذبح بقرة السيد ........... والسيد ماله بقرة * بنذبح بنته هالشقرة
والشقرا ما فيها دم * غير نذبح بنت العم..........بكره العيد يا مسعود * دارت الميه في العود
يا سعيد ويا سعيد * اليوم الوقفة وبكره العيد
وفي ذكر الكعك يذكر أن عادة صناعة الكعك في العيد أحياها الفاطميون في مصر حيث كان السلطان الفاطمي يطلب من الخبازين صناعة الكعك بكميات كبيرة ويعرضه في ساحات القاهرة قبل أن يوزع على الفقراء والمساكين.
وانتشرت عادة صناعة الكعك حتى وصلت فلسطين، وما زالت الأمهات يصنعن الكعك ويوزعنه على بناتهن المتزوجات وجيرانها وأحفادها وهي عادة لم تغيرنها حتى اليوم.
ولعل المراجيح و"الشقاليب" هي أكثر ما يميز الأعياد الفلسطينية، والتي لم تندثر رغم تطور الألعاب واحتياجات الأطفال، فنستذكر قديما المراجيح اليدوية المصنوعة من الحديد والتي كان ينصبها شباب الحي الواحد في المدن، ويتزاحم الأطفال على اللعب عليها، ولا زالت تنصب حتى اليوم في بعض شوارع غزة ومخيماتها وتعتبر سمة من سمات العيد المشهورة في القطاع.
وكان للشقاليب والمراجيح أغاني شعبية خاصة في أيام العيد قديما حيث يغني صاحب المراجيح للأطفال: هاي شوط القملة، وهاي شوط البرغوث، واللي ما بتمرجح، إن شاء الله هالسنه يموت.
أما إذا رفض الأطفال النزول من على " الشقليبة" يغني لهم رافعا صوته:" هاي شوط القمله، وهاي شوط البرغوت والي مش راضي ينزل راح ينزل في بيروت.
ومع ازدياد النكبات على فلسطين تغيرت أهازيج العيد وغلبتها سمة الحزن والكآبة ويتذكر أبناء من حيفا أغان كانت تغنيها النساء في صبيحة يوم العيد يرددن فيها: (عمرك بطاقة سفر وملونه بمواعيد.. يا شعب نازح نسي طعم الفرح والعيد .. الأخ في الشام أما الأخت في عمان.. والأب في القدس والأولاد في مدريد).
ولعل صندوق العجب وهو عبارة عن مسرح بسيط متنقل يحمله رجل حكواتي على ظهره ويدور فيه شوارع وأزقة فلسطين وبلداتها القديمة، كان طقسا من طقوس العيد ما زال يذكره كبار غزة، حيث كان يقف عارضا قصصا وقصائد يتفرج عليها لأطفال من خلال فتحة مثبتة في وسط الصندوق.
وكان حامل الصندوق يعلن عن قدومه إلى الحي من خلال أغنية خاصة:" قرب قرب، شوف واتفرج، قرب، شوف صندوق العجب للحكواتي أبو رجب"
لم يبق من صندوق العجب شيء الآن، ولكن بقيت الشقاليب والكعك والأهازيج والأهم بقيت فلسطين تستذكر ذلك كله.