تراجعت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في عدة محاور جنوبي العاصمة الليبية طرابلس. يأتي ذلك في وقت اعتبرت فيه موسكو أن المساعدة الخارجية لأطراف النزاع غيّرت موازين القوى على الأرض، في حين أكدت برلين أن الأزمة لا يمكن أن تحل إلا سياسيا.
وقال مصدر عسكري في قوات حكومة الوفاق الليبية -المعترف بها دوليا- لمراسل الجزيرة إن هذه القوات تقدمت إلى منطقة الكايخ (جنوبي طرابلس)، تحت غطاء نيران المدفعية الثقيلة.
وأضاف المصدر أن قوات حفتر اضطرت للانسحاب من الكايخ إلى جزيرة منطقة قصر بن غشير (جنوبي طرابلس) التي أصبحت في مرمى نيران قوات الوفاق.
وأوضح المصدر أن منطقة قصر بن غشير هي الخط الدفاعي الرئيسي لقوات حفتر عن مدينة ترهونة (جنوب شرق طرابلس)، وهي معقل رئيسي لقوات حفتر.
من جانبه، قال المتحدث باسم عملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق مصطفى المجعي -في تصريح لوكالة الأناضول- إنه بعد السيطرة على حي الكايخ باتت السيطرة على قصر بن غشير قريبة.
وأكد المتحدث العسكري أن السيطرة على قصر بن غشير تعني انهيار محاور جنوب طرابلس بالكامل، باعتبارها شريان الحياة لقوات اللواء المتقاعد.
وتبعد منطقة قصر بن غشير عن طرابلس نحو 26 كيلومترا، وتعد إحدى المناطق الرئيسية التي تعتمد عليها قوات حفتر لإمداد عناصرها في محاور القتال جنوب طرابلس.
مطاردة وتقهقر
وأكد المتحدث باسم قوات حكومة الوفاق العقيد محمد قنونو أن قواته سيطرت على مواقع وصفها بالمهمة والمتقدمة في محيط مطار طرابلس، وأنها تطارد قوات حفتر الموجودة هناك.
ولا تزال قوات حفتر تسيطر على مطار طرابلس، الذي يقع في منطقة قصر بن غشير. وخرج المطار من الخدمة عام 2014، وتعتمد العاصمة على مطار معيتيقة الدولي في الطيران المدني.
وأكد مصدر عسكري من قوات حكومة الوفاق أنهم يحافظون على مواقعهم في محور الكاريزما (جنوبي طرابلس)، بعد إحباط محاولة قوات حفتر استرجاع مواقعها في ذلك المحور.
وكانت قوات الوفاق سيطرت خلال اليومين الماضيين على أجزاء واسعة من محور الخلاطات والرملة وعين زارة (جنوبي طرابلس)، بعد اشتباكات عنيفة مع قوات حفتر.
ونجحت قوات الوفاق في السيطرة خلال الأيام القليلة الماضية على محاور قتال ومعسكرات إستراتيجية جنوبي طرابلس، من أبرزها معسكرا حمزة واليرموك.
وتواصل قوات حفتر تكبد خسائر فادحة جراء تلقيها ضربات قاسية في محاور جنوبي طرابلس، وكافة مدن الساحل الغربي، وصولا إلى الحدود مع تونس، إضافة إلى قاعدة "الوطية" الإستراتيجية (غرب)، وبلدتي بدر وتيجي، ومدينة الأصابعة بالجبل الغربي (جنوب غرب طرابلس).
وبدعم من الإمارات ومصر وروسيا وفرنسا، تشن قوات حفتر منذ 4 أبريل/نيسان 2019 هجوما متعثرا للسيطرة على طرابلس، مقر الحكومة المعترف بها دوليا، مما خلف قتلى وجرحى بين المدنيين، بجانب أضرار مادية واسعة.
وأبلغ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجلس الأمن الدولي بمقتل 58 مدنيا وجرح 190 آخرين على الأقل، جراء القتال الدائر في ليبيا منذ مطلع أبريل/نيسان الماضي، وحتى 18 مايو/أيار الجاري.
تغير الموازين
سياسيا، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن المتحدثة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا قولها اليوم الجمعة إن الوضع في ليبيا آخذ في التدهور، وإن وقف إطلاق النار هناك يتهاوى.
ونسبت وكالة إنترفاكس إلى المتحدثة الروسية القول إن المساعدة الخارجية لأطراف الصراع غيرت توازن القوى على الأرض في ليبيا، وأضافت أن بلادها مستمرة في اتصالاتها مع جميع الأطراف الليبية المتصارعة.
ونقلت عن زاخاروفا القول إن روسيا تصر على حل الصراع الليبي بالوسائل الدبلوماسية، معتبرة أن المزيد من التأخير يهدد بعواقب وخيمة.
من جانبه، شدد أحمد معيتيق نائب رئيس حكومة الوفاق على أن الاتفاقيات المبرمة بين طرابلس وأنقرة كان لها بالغ الأثر في تغير بعض موازين القوى على الساحة.
جاء ذلك في كلمة ألقاها المسؤول الليبي، مساء الخميس، خلال مشاركته في ندوة نقاشية عبر الإنترنت تحت عنوان "ليبيا ما بعد الصراع"، نظمها "المجلس الأطلسي"، وهو مؤسسة بحثية تتخذ من العاصمة الأميركية واشنطن مقرا لها.
كما شدد المسؤول الليبي على أن روسيا والإمارات ليست لديهما أية خطة بناءة لليبيا سوى تدمير الحكومة بطرابلس، مشيرا إلى أن ليبيا مع حفتر ستكون تحت إدارة دكتاتورية مرة أخرى.
وفي سياق متصل، قالت الحكومة الألمانية إن أطراف الصراع الليبي ليست مقتنعة بالحلول السياسية، مضيفة أن الأزمة هناك لا يمكن أن تحل إلا بعملية سياسية.
جاء ذلك على لسان المتحدث باسم الحكومة شتيفان زايبرت، الذي أكد أن السلام الدائم في ليبيا يمر عبر حلول سياسية، وأن برلين تحاول الإسهام في تحقيق ذلك مع أطراف أخرى.
ناقلة بعقد إماراتي
وفي تطورات متصلة، رحبت الأمم المتحدة بإيقاف فرنسا ناقلة نفط، كانت متجهة إلى شرق ليبيا لتحميل المنتجات النفطية.
وأشار فرحان حق نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن المؤسسة الوطنية الليبية للنفط في طرابلس هي المؤسسة الوحيدة القادرة قانونيا على بيع أو شراء النفط.
وكانت وكالة بلومبيرغ الأميركية نقلت عن أربعة دبلوماسيين غربيين أن البحرية الفرنسية أوقفت ناقلة نفط كانت متجهة إلى ليبيا بموجب عقد إماراتي.
ونقلت بلومبيرغ أن ناقلة النفط كانت في طريقها لتحميل منتجات بترولية مكررة من ميناء طبرق (شرقي ليبيا) كجزء من بيع منتجات مكررة لشركة مسجلة في الإمارات، وأن البحرية الفرنسية منعتها من الوصول إلى وجهتها، وتركتها في البحر لمدة أسبوع تقريبا.
وحسب بلومبيرغ، فإن الفرقاطة الفرنسية من طراز "كاسارد جان بارت" كانت في مهمة للاتحاد الأوروبي تهدف إلى تطبيق حظر الأسلحة على ليبيا ومنع مبيعات النفط غير المشروعة، التي يمكن أن تمول الأطراف المتحاربة.