عمدت بعض الأبواق الإعلامية، بعضها مرتبط بالسلطة الفلسطينية، إلى التهوين من القرار الصهيوني المرتقب بضم مناطق في الضفة الغربية إلى إسرائيل، بل والترحيب به، بزعم أن تطبيقه سيؤدي إلى تكريس حل "الدولة الواحدة"، الذي يسمح للفلسطينيين بالنهاية بالوصول إلى حكم إسرائيل على اعتبار أنهم يتميزون بتفوق ديموغرافي!!!.
يفترض أصحاب هذه الدعوات أن إسرائيل ستضطر إلى منح الفلسطينيين الذين سيتم ضم مناطقهم "المواطنة الإسرائيلية" مما يعني تمتعهم تلقائيا بالحقوق السياسية التي يتمتع بها الصهاينة.
وعلى الرغم من أن الحمق والجهل هما اللذان يدفعان البعض إلى سلوك هذا المنحى من التفكير، فإن البعض الآخر ممن تلقفوا الفكرة هم من اللئام الذين يوظفون الدعوة لتثبيط عزيمة الشعب الفلسطيني ودفعه إلى عدم مواجهة الضم.
وفي الوقت ذاته، فإن هذه الدعوات توفر بيئة تسمح لقيادة السلطة الفلسطينية بعدم اتخاذ قرارات حقيقية للتصدي لقرار الضم ومواصلة نسق العلاقة القائم مع الكيان الصهيوني، الذي تؤكد تل أبيب أن تغييرا جوهريا لم يطرأ عليه، رغم إعلان رئيس السلطة محمود عباس أن سلطته باتت في حل من الاتفاقات مع إسرائيل.
ومن الواضح أن الأبواق الفلسطينية المتشبثة بهذا التعاطي المخادع مع مسألة الضم تحقر الوعي الجمعي للشعب عبر طرح هذا التصور التبسيطي الذي يتجاهل الواقع تماما.
فعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو أعلن في مقابلته الأخيرة مع صحيفة "يسرائيل هيوم" أن إسرائيل لن تمنح الفلسطينيين في المناطق التي ستضم "المواطنة الإسرائيلية" فإن المطالبين باستغلال الطاقة الكامنة في الضم، على قلتها، لازالوا يواصلون هذا الهذيان.
ومع أن قيادات السلطة لم تتبن هذا الموقف بشكل علني إلا أنه في حال لم يتم التصدي له وفضحه وإظهار مراميه، فإنه لن يستهجن إذا تم تبنيه من قبل السلطة في النهاية فقط حتى تعفي نفسها من القيام بالخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة الضم.
إن الأصوات الفلسطينية المنادية باستغلال الضم في الدفع نحو "الدولة الواحدة" تهين الفلسطينيين ووعيهم لأنها تعي تماما أن حكومة اليمين المتطرف، وكما عبر عن ذلك نتنياهو، تقدم على الضم من أجل تهويد الأرض والفضاء الجغرافي وترسيخ حقائق على الأرض ولن تسمح بتكريس أي مسار يفضي إلى تهديد الطابع اليهودي للكيان من خلال منح "المواطنة الإسرائيلية" للفلسطينيين.
لقد جعل نتنياهو مهمة هذه الأصوات صعبة جدا، على اعتبار أن رفض منح المواطنة الإسرائيلية للفلسطينيين في المناطق التي ستضم يعني أن الضم سيمنح نظام الفصل العنصري القائم في الضفة الغربية إطارا سياسيا.
الذي يثير الشكوك في الدوافع الحقيقية لأصحاب هذه الدعوات، سيما الذين يرتبط بعضهم بالسلطة وأجهزتها الأمنية، حقيقة أن الترويح لهذه الأفكار يأتي تحديدا في ظل مؤشرات تفيد بأن السلطة ترسل برسائل طمأنة للكيان الصهيوني بشأن توجهاتها الحقيقية.
فعلى سبيل المثال، ذكرت وسائل الإعلام الصهيونية أن جلسات التعاون الأمني بين قيادات في السلطة والكيان الصهيوني تتواصل حتى الآن؛ إلى جانب أن السلطة تشدد بكل ما أويت من قوة على أنها لن تسمح باندلاع "العنف من جديد" والعنف المقصود هنا هو المقاومة التي تستهدف الاحتلال.
ومن الواضح أن إحباط عمليات المقاومة يستدعي تواصل قدر من التعاون الأمني مع الاحتلال.
من هنا يتوجب التصدي لهذه الأصوات بوصفها تدعو عمليا للتسليم بالقرار الصهيوني حتى تكون قيادة السلطة في حل من المواجهة التي قد يترتب عليه دفع أثمان.