انتشرت في قطاع غزة في الآونة الأخيرة ظاهرة المولات التجارية المقامة وسط التجمعات السكنية، وهي على أهميتها، تؤدي دورا بارزا في خدمة الاقتصاد، كونها تساهم بشكل مباشر في دورة المال وتحريك العجلة الاقتصادية.
كما أنها تساهم في خفض نسب البطالة؛ من خلال التوظيف، وتعزز أيضًا من مفهوم السوق الحر الذي تتبناه معظم دول العالم، المبني على الحرية الاقتصادية المطلقة والتنافسية.
لكن في حالتنا الفلسطينية بغزة، هناك كثير من التعقيدات والتشابكات التي لابد من مراعاتها عند أخذ أي قرار لا سيما الاقتصادي منها، خصوصا أننا نرزح تحت احتلال يتفنن في التضييق على الناس وحصارهم.
ومن هنا تحتّم الضرورة على متخذ القرار الأخذ بعين الاعتبار كل المناحي التي قد تؤثر في أي مسألة اقتصادية، دامجا بين الأفكار الاقتصادية المختلفة فالذي يخدم الحالة لابد من تطبيقه، بعيدًا عن السير وفق نظرية اقتصادية على إطلاقها.
فالمال لابد أن يتوزع ، لنعزز بذلك مفهوم اقتصاديات المقاومة المبنية على توزيع المال على أكبر قاعدة من الناس؛ من أجل أن تشكل بذلك حاضنة شعبية تقتل الوصول للطبقية المقيتة.
واستنادًا إلى ما سبق، فلابد أن ننظر للآثار السلبية لظاهرة انتشار المولات، فالمتفحص للمسألة يجد أن أنها قد تشارك بشكل مباشر في إغلاق وافلاس العديد من المشروعات الصغيرة التي كانت متواجدة في محيطها، وما يصاحب الاغلاق من تشرد وفقر عديد من العائلات وتدمير اقتصادياتهم لصالح من يوصفون ب " حيتان المال".
كما إننا إذا ما نظرنا إلى العمالة في هذه المولات فسنجد الاجحاف في دفع أجورهم التي لا تصل حتى الحد الأدنى للأجور المتعارف عليها، فكثير منها لا يتحصّل على أكثر من 500 شيكل في الشهر، لتقتل هذه المبالغ طاقة الشباب وإمكانيتهم نحو فتح بيوت، مقارنة بالأرباح الهائلة التي يحققها صاحب المول؛ مما يدفع الكثير منهم لافتتاح أفرع أخرى.
ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى التحقيق الصحفي الذي نشرته الأسبوع الماضي "شبكة نوى" الإعلامية المحلية، الذي أشار إلى وجود نحو 21 مُجمّعًا ومركزًا تجاريًا في قطاع غزة، يعمل فيها نحو 600 عامل، وفق إحصاءات وزارة العمل، وتقدَّرُ الأجرة اليومية للواحد منهم بين 20 و25 شيقلًا، وتبلغ أجرة الساعة الواحدة من (2.5 شيقل إلى 3 شواقل)، فيما تتراوح ساعات العمل بين 8 و12 ساعة، وقد تزيد في أوقات المناسبات والطوارئ.
ويبلغ متوسط رواتبهم شهريًا 600 إلى 800 شيقلًا للعمال العاديين، و1000 إلى 1200 شيقلًا للمحاسبين، وبحسب التحقيق، فإن قيمة هذه الرواتب تمثل تجاوزًا لقانون الحد الأدنى للأجور –غير المطبق في غزة بعد-الذي ينص على أن يكون الراتب الشهري 1450 شيقلًا شهريًا، وأن سعر ساعة العمل تبلغ (8.5) شيقلًا بالتمام والكمال.
إننا إزاء ما سبق لا ننكر أهمية وجود المولات، لكن ندعو إلى النظر بعين التوازن بين احتياجات اقتصاد المقاومة، الذي يعتبر أحد أهم ركائزه توزيع الثروة والمال بين أكبر مجموعة ممكنة من الأفراد، وما يتطلبه ذلك من ضرورة بقاء المحال الصغيرة والمتنوعة وعدم إغلاقها، وأيضًا مع الشكل الحضاري للمدينة وتحقيق حالة الرفاه من وجود المولات.
وفي إطار ذلك ندعو الجهات الحكومية المسؤولة في غزة إلى ضرورة ترتيب ملف المولات من خلال التالي:
1. عدم منح التراخيص لإنشاء مولات إلا بعد استكمال المواصفات المطلوبة، على أن يكون من ضمنها البعد عن التجمعات السكنية والأحياء، وترك مساحات تقدر من أصحاب الاختصاص بين أي مول وآخر، لما لذلك من أثر في خلق توزان في الحركة بين المناطق وانتعاش الأطراف، وتحسن أسعار الأراضي والمباني هناك نظرا للحركة في المنطقة، وبما يضمن كذلك حماية صغار التجار.
2. فرض حد أدنى للأجور مُلزم لصاحب المول يدفعه للعامل أو الأجير.
3. منح تسهيلات إضافية لأصحاب المحال الصغيرة "الغلابة" ليتمكنوا من المنافسة والاستمرار.
وختاما لابد لأصحاب القرار أن يعملوا وفق قاعدة "لا يموت الذئب ولا تفنى الغنمات".