انهار حل الدولتين بالكامل ولم يعد هناك أي إمكانية لتطبيقه بعد أن غير الاحتلال كل الوقائع على الأرض وفرض أخرى تنهي فعلياً أي فرصة لقيام دولة فلسطينية.
ومنذ ربع قرن يتمحور الحراك السياسي الدولي المتعلق بالقضية الفلسطينية على أساس "حل الدولتين"، والذي كان من المفترض أن يتحقق عبر المفاوضات، التي تؤمن بها السلطة الفلسطينية كحل وحيد للوصول إلى الدولة، رغم تولد قناعات لدى القيادة الفلسطينية بأنّ هذا الحل لم يعد ممكناً، بسبب الاستيطان الإسرائيلي، إضافة إلى تراجع التأييد الشعبي له.
انهيار الحل السياسي وفرصة الدولتين واعتراف السلطة بالفشل لم يدفعها نحو اليأس من الحلول السياسية وتغيير استراتيجيتها نحو مواجهة شاملة او مقاومة الاحتلال، بل بدأت مبكراً البحث عن حل سياسي آخر ربما يكون أكثر تعقيداً من حل الدولتين وهو خيار الدولة الواحدة.
وتحدث صراحة صائب عريقات كبير المفاوضين وأمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة حول هذا الخيار، حيث صرح عدة مرات أن الشعب الفلسطيني يتجه إلى حل الدولة الواحدة بالحقوق المتساوية وهو أمر لن يقبله أي (إسرائيلي)، كما أشار إلى أن ما يطمح إليه نتانياهو هو دولة واحدة بنظامين على غرار "الأبارتيد"، وهو ما لن يقبله الشعب الفلسطيني.
تطرح السلطة حل الدولة الواحدة كخيار بديل عن حل الدولتين رغم علمها أنه أيضاً غير قابل للتطبيق وان الاحتلال يرفضه أكثر مما يرفض الدولتين، إلى جانب أنه لا يحظى بقبول شعبي وفصائلي.
وقد تحدث أيضاً أحمد قريع رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض سابقاً، أنه لا بد من استدارة كاملة عن حل الدولتين والتوجه نحو خيارات بديلة، وأساليب عمل جديدة، تتمثل في حل الدولة الواحدة.
ويعتبر هذا الطرح مؤشرا على كارثية الوضع الفلسطيني واعتراف من السلطة بالخسائر الكبيرة التي تكبدها الشعب وقضيته جراء نهجها السياسي طوال ربع قرن من الزمن، وجراء اختلال ميزان القوى لصالح النظام الإسرائيلي والخضوع لإملاءاته.
ويعتبر حل الدولة الواحدة أحد الخيارات التي طرحت منذ عقود فقد قدمت حركة فتح في العام 1968، ما سمته في حينه حلاً شاملاً للقضية الفلسطينية، وهو حل الدولة الفلسطينية الواحدة على كامل أراضي فلسطين التاريخية، التي يعيش فيه الفلسطينيون ومن يرغب من اليهود تحت سيادة دولة واحدة ديمقراطية يحكمها قانون المواطنة.
وتطرح السلطة هذا الخيار رغم علمها برفض الاحتلال له وأنه غير واقعي ربما أكثر من حل الدولتين، حيث يتحفظ الاحتلال على وجود مواطنين عرب وفلسطينيين لديه خشية التفوق الديمغرافي الفلسطيني الذي سينهي الاغلبية اليهودية، من ناحية أخرى فان الاحتلال يرى في الدولة الواحدة تهديدا لهويته التي يعمل على تعزيزها كهوية ودولة يهودية، وغير قابلة لأي وجود آخر.
كما يلغي طبيعة الحركة الصهيونية، ويفقدها مبررات وجودها، ويتناقض مع فكرة الدولة اليهودية؛ بل ويخلق لها أزمات، أهمها مشكلة التوازن الديموغرافي؛ فالآن عدد الفلسطينيين على أرض فلسطين مساو لعدد اليهود، وإذا ما استمر الوضع الحالي فإنه بعد عشرين سنة سيكون للفلسطينيين الأغلبية المطلقة في هذه الدولة، وبالتالي يكون هذا التهديد مخيفاً (لإسرائيل) فعلياً، لأنه سيفككها تدريجياً.
ويشكل خيار الدولة الواحدة خطرا استراتيجيا على القضية الفلسطينية، فهو ربما يكون حلا جزئيا للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة, لكنه يلغي اللاجئين الفلسطينيين في الخارج, والذين يشكلون نصف الشعب الفلسطيني وتعتبر قضيتهم جوهر الصراع الفلسطيني الصهيوني، ما يعني أنه ينهي أحد أهم ثوابت القضية وهو عودة من طردوا من أرضهم في العام 1948.
والخطورة الأخرى تأتي من سياسة السلطة القائمة على ترسيخ الوهم في العقل الفلسطيني، وترسيخ فكرة الدولة كبديل عن فكرة التحرر، وهدم ثقافة التحرير والمقاومة واستبدالها بثقافة "بدنا نعيش" وثقافة "السلام الاقتصادي" للهروب من استحقاقات مقاومة الاحتلال، وأن البدائل لا بد أن تكون حلولا سياسية دون ان ندفع ثمنها.
ورغم ان السلطة ما زالت تراوح في مربع حل الدولتين، ودل على ذلك تصريح رئيس الوزراء محمد اشتيه حين قال أن قرار الضم سيدفعنا لإعلان الدولة من طرف واحد، إلا أن التصريحات والتوقعات تتزايد حول إمكانية قيامها بالمطالبة بحل الدولة الواحدة وهو خيار لجأت إليه عدة مرات للتلويح وتهديد الاحتلال به في كل مرة وصلت المفاوضات لطريق مسدود.