مرت فلسطين بالكثير من العصور والحقبات التاريخية التي خلفت العديد من الآثار والمقتنيات الأثرية التي تدلل على كل زمن، فموقعها الجغرافي ساهم في تعدد الحضارات والثقافات التي مرت بها، وبقيت تحتفظ بغالبية المواقع الاثرية أيضا، رغم اهمالها بعض الوقت بسبب الحروب لكن سرعان ما يعاود السكان الاهتمام بها.
حقبة الاحتلال الإسرائيلي كانت الأسوأ لأنه تعمد طمس الحضارة الفلسطينية، كما حدث في بركة السلطان التي حولت إلى مكرهة صحية، فهي وسط مدينة الخليل وتحديدا إلى الجنوب الغربي من المسجد الإبراهيمي الشريف، بعمق 22 قدما تقريبا، وبمساحة 133 قدما مربعا، وقد بنيت بحجارة منتقاة مصقولة، واتخذت الشكل المربع.
وتحيط بها عدة حوار تاريخية، "حارة قيطون من الجنوب، وحارة المشارقة الفوقا من الشمال، ومن الغرب تل الرميدة، ومن الشرق حارة المشارقة التحتا".
أنشأت هذه البركة في العهد المملوكي على يد السلطان سيف الدين قلاوون الألفي وذلك بعام (682هـ/ 1282م)، وكان الدافع لبنائها هو سقاية الزوار القادمين من بلاد الشام، وشمال فلسطين، لزيارة الحرم الإبراهيمي، بالإضافة إلى أنها كانت تساهم في سقاية جند المسلمين المدافعين عن الأرض المباركة من هجمات التتار والصليبيين.
وقد كانت هذه البركة مركزا لتجمع مياه الأمطار؛ وذلك لأنها تقع تحديدا في مصب مياه وادي الخليل والذي يستمر متجهاً إلى غزة و"عين جدي".
وأهملت بركة السلطان فترة الاحتلال البريطاني فلم يهتم أحد بترميمها، لكن حين أصبحت من مملكات دائرة الأوقاف الإسلامية في فترة حكم الأردن، تم تفريغها من المياه، وتجفيفها، وإغلاق القنوات المؤدية إليها، وتم ذلك نهاية القرن الماضي، ورفض إقامة أي مشروع عليها حفاظا على التراث الإسلامي والتاريخي، لاسيما بعدما شهدت حالات غرق كثيرة، وتجمع لحشرات البعوض، وانبعاث الروائح الكريهة.
وفي ظل الاحتلال الإسرائيلي تحولت بركة السلطان إلى مكب للنفايات والمياه العادمة، فهو يسيطر على المزيد من المعالم باستغلال الاحداث ومنها عملية "الدبويا" الفدائية عام 1984 للسيطرة على الكثير من المعالم الأثرية والدينية بالبلدة القديمة في الخليل، ومن هذه المعالم كانت "بركة السلطان".
ومع مرور الوقت تحول هذا الأثر التاريخي إلى مكب للنفايات والمياه العادمة القادمة من الحي الاستيطاني المتمركز بقلب المدينة المباركة.