نحن جيران الشمس، المقاومون حتى الرمق الأخير، المحرومون من فرحة محبوكة على أصولها، كما ينبغي أن يكون الفرح، حيث كل شيء ينفجر بعشوائية، فيرسم صورة أجمل من المتوقع.
هنا غزة، هنا يوم الإعلان عن نتائج الثانوية العامة، الساعة الآن هي السابعة وخمس وخمسين دقيقة، خمس دقائق متبقية على وصول رسالة نصية على هاتف محمول، يحمله ابن الثانوية العامة بيديه ويحمل في قلبه حلما نسجه على مدار عام كامل.
في الثامنة تماما، تعلو صرخات الفرح، سجدات الشكر، تذرف دموع الأمهات، يخرج الجيران على النوافذ ليستمعوا لصرخات قطعت صمت الصباح، فغردت لحنا مفرحا لكل قلب يافع.
على بوابات أشهر محال الحلوى هناك رصت سدور من الكنافة والبقلاوة فوق بعضها البعض، بينما يقف آباء يجرجرون الفرحة في طابور طويل ويستعجلون دورهم للحصول على صينية من الحلوى.
وفي منزل الطالبة الأولى على الفرع العلمي إيمان أبو شمالة علقت الزينة وبلالين مشكلة تلبس قبعة التخرج السوداء وتمهد لحلم الطبيبة القادم الذي يضع قدمها على أول خطواته في صباح الغد، تحتضن أمها بين الطبول والمزامير وزحمة الدار بالمهنئين.
وحتى الأمهات، اللواتي كن يخفن رسوبا أو كسرا، زغرتن وفرحن بمعدل منخفض، لا يحقق الكثير من الأحلام، لكنهن يعرفن تمام المعرفة أن هناك بدائل في قلوب أبناء غزة وخطوطا جديدة لحلم جديد يحمله قلب لا يمل من الأحلام والتخطيط.
وفي بيت الأسير ضرار أبو سيسي، جلست آية على ركن بجانب صورة والدها تزف له ضحكتها بتفوقها في الثانوية العامة، تمسح دمعة وتقول" أنا رفعت راسك يا بابا".
وفي البيوت المستورة والمغطاة بالفرح حتى الثمالة طبل وزمر على بوابات دار أبو عمرة، حيث تقف الطالبة المتفوقة شمس على باب بيت مغطى بألواح الزينكو، وهي تبكي فرحا بعد حصولها على منحة من المملكة الأردنية، لتحقق حلما تعلم تماما أنها أهل له.
تدور في الأحياء صحون من البقلاوة، بينما تقف الجارة العجوز على شرفتها لا تستطيع النزول لمشاركة جارتها فرحة النجاح فترسل قبلاتها إليها من بعيد في هواء بدى عليلا رغم حر يوليو.
وفي الأسواق على أبواب المحلات التجارية عرضت بضائع متنوعة تشترك تماما مع شكل الفرحة الجميل، قبعات التخرج، بلالين مشكلة بين الأصفر والأبيض والوردي، كتابات منقوشة على ورق الفلين ملونة ومصنوعة بحب خصيصا لفرحة التوجيهي، وطالبات وطلبة يتوافدون لشراء قطع بسيطة يعلقونها في غرفهم كذكرى لفرحة يوم كان حصيلة عام كامل من التعب.
وتبالغ غزة أحيانا في طقوس الفرح، مبالغة تشبه مبالغة العالم في حصارها والتآمر عليها، مبالغة تتحدى فيها من يقول إن غزة لا تفرح!
غزة، تبكي، تتألم، تموت ألف مرة، ثم تقوم من جديد لتتقن الفرح.