ألم لم يعد يطاق، وصوت لم يعد يسمع، تداخلت الأوجاع، ارتفاع في درجة الحرارة وارتعاش في أطراف الجسد، وفوق كل هذا وهذاك عزل اجباري، عزل يفرضه السجان، وعزل يفرضه الكورونا، وأخيرا عزل للصوت فرضه سرطان الحنجرة.
سنتساءل ونحن نسطر هذه الحروف، هل سيضاف اسم الأسير كمال أبو وعر لقائمة الشهداء؟!
أجل سؤال مشروع، دون مواربة، هذا ما حدث على مدار عمر كامل من الإهمال الطبي للأسرى.
فالسرطان ينهش في الجسد منذ عامين، والحرمان من العلاج سيد الموقف، والسجان الإسرائيلي يتحكم بحبة دواء ونسمة هواء، ولا زيارة لأخ أو ابن تهدئ ألم الجسد المرتعش.
وحينما يتعاطف الاحتلال مع الأسير بعد عشرات المناشدات، ينقله لعمل صورة أو فحص سريع، يمر فيه من خلال البوسطة وهي زنزانة لا تتعدى مساحتها المتر الواحد يحشر فيها الأسير بكل أشكال الطرق غير الآدمية ليضيف إلى الجسد الذي لم يعد يحتمل، كدمة وجع جديدة بمسمى آخر.
عبد العال العناني مدير نادي الأسير عبر عن رفض مؤسسته لما يقوم به الاحتلال من استغلال لأوضاع كورونا وفرض مزيد من المعاناة على الأسرى المرضى: "تم اكتشاف ورم الحنجرة في نهاية 2019 وما زال يعاني ضمن منظومة المحتل التي تحرم الأسير حيث نقلته من سجن 2 جلبوع لمستشفى العفولة لعمل فحوصات تتعلق بمرضه، ثم أعادوه لمستشفى الرملة، ودون مراعاة لوضعه الصحي اختلط بالأسرى المرضى بالكورونا بشكل متعمد من قبل السجان، في مستشفى الرملة.
ويضيف العناني: هناك سياسة تلذذ في تعذيب المرضى من محتل يطبق سياسة الانتقام الذي يحرمه من ابسط الحقوق وهو حقه في العلاج.
ويعاني أكثر من 4000 أسير مريض اهمالا طبيا كان آخره استخدام فايروس كورونا لفرض معاناة أخرى جديدة تجتمع مع السرطان، فتصل بصاحبها الى ذروة الألم وسياسة الإهمال الطبي ليست سياسة جديدة يتبعها السجان حيث تقول الأرقام أن 124 اسير استشهدوا منذ عام 67.
ومن الزنزانة أرسل رفاق أبو وعر رسالة مناشدة للعالم واصفين رفيقهم بأنه يموت بصمت رهيب دون أن يرى العالم ويسمع حيث لا يسمع أحد شهقة الموت أو حشرجة الصوت وضيق الأنفاس.
وكتب زملاء أبو وعر في رسالتهم: "أبو وعر ليس مجرد رقم كما يحسبه الجلاد، هو بأنفاسه الأخيرة يقرع جدران الضمير العالمي يتألم يصرخ عاليا لا تتركوني وحيدا في زنازين الموت والرطوبة فلا يسمع له سوى صدى الألم والوجع يحتضر ببساطة دون أن يحظى بأبسط الحقوق أقلها الحق في العلاج المناسب، وحيدا يصارع المستحيل وهو اسير فهو الشاهد والشهيد على جريمة الاحتلال الإسرائيلي مثلما هو كذلك أيضا على فظاعة الثمن الذي يدفعه الأسير جراء سياسة الإهمال الطبي.
وطالب الأسرى في رسالتهم بفك القيود الخمسة عن زميلهم أبو وعر أولها قيد الزنزانة والعزل منذ 18 عاما، وثانيها قيد الإصابة بمرض السرطان، وثالثها قيد كورونا الذي تسبب الاحتلال بنقله للأسير.
ورابعها قيد الجسد النحيل الهزيل الذي لم يعد يقوى على الحراك واخرها فقدان القدرة على الكلام، وأخر تلك القيود قيد الخوف الذي يعيش فيه الأسرى من تحول زميلهم إلى رقم آخر يضاف الى ثمانية شهداء أسرى رحلوا منذ بداية العام جراء سياسة الإهمال الطبي.
وحملت هيئة شؤون الأسرى سلطات الاحتلال المسؤولية كاملة عن حياة الأسير أبو وعر المحكوم بالسجن لـ6 مؤبدات و50 عاما، وحياة 700 أسير مريض منهم 10 أسرى على الأقل يعانون من مرض السرطان.
وبين نادي الأسير أن أبو وعر الذي خضع لـ50 جلسة علاج إشعاعي كيميائي خلال الفترة الماضية، أجرى فحوصا جديدة أثبتت أن هناك ازديادا في حجم الورم، وبأن هذا بات أمرا شديد الخطورة عليه كما أنه يعاني من نقص شديد في الوزن وفقدان كامل لقدرته على الكلام، وبدأ يتعامل مع زملائه المرضى بالكتابة.