شهد مخيم بلاطة بمدينة نابلس أحداثاً مؤسفة أدت إلى مقتل أمين سر حركة فتح عماد الدين دويكات، حيث اشتبكت قوات الأمن الفلسطيني بعناصر مسلحة من حركة فتح، كأحد أوجه الخلافات الداخلية التي تشهدها الحركة والتي اشتدت في ظل غياب الناظم الرسمي لأركان وقواعد التنظيم، وعدم قدرة القيادة الفتحاوية في الفصل بين استراتيجية حركة فتح كتنظيم مركزي له رؤيته وأهدافه وله نمطية قيادية قد تكون مختلفة عن أنماط العمل الحكومي نوعاً ما، وبين السلطة الفلسطينية التي يترأسها قيادات وكوادر حركة فتح. التداخل العميق بين سلطة الحكم وسلطة التنظيم غالباً مع يتقاطع مع أهداف الفريقين سواء كانت تلك الأهداف متعلقة بحركة فتح أو بالعمل الحكومي الرسمي، لأن كل منهما له وجهته واستراتيجيته وإن كانت متشابهة إلى الحد الذي يتفق عليه الفريقين في تحديد موقفها من الاحتلال ومن القضية الفلسطينية ككل.
وتبرز ظواهر مشكلة العمل التنظيمي والحكومي في مواطن عديدة، منها مأسسة عمل السلطة الفلسطينية ودورها في الحفاظ على خط التوازن في علاقتها مع معظم مكونات الشعب الفلسطيني بالضفة الغربية، وإن كان هذا لا ينطبق على الجميع بسبب سوء العلاقة بين السلطة الفلسطينية وبعض الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، كذلك عدم اجتياز حركة فتح لسباق السرعة الذي نظمته الأجهزة الأمنية وتفوقت خلاله على قواعد العمل المقاوم لحركة فتح والذي سجلت خلاله أرقاماً قياسية، وحصلت خلاله على وسام ثقة الإسرائيليين ومنحهم بطاقة الــــ VIP، فكان من بين تلك الكوارث الوطنية حل كتائب شهداء الأقصى في الضفة الغربية، وتفكيك الخلايا المسلحة التي أُفرزت بشكل طوعي بعيداً عن قرار التنظيم المركزي، بالإضافة إلى تصلب القيادة الفلسطينية في مراكزها القيادية، والذي يمثل محمود عباس أنموذجاً حياً لرأس التنظيم، بحيث أصبحت جميع الصلاحيات بمتناول يده وبتوقيعه الشخصي، والذي يحدد خلاله مستقبل القضية الفلسطينية ووجهتها الكارثية أمام مشاريع الاحتلال، وإجهاض دور معظم المعتدلين في الحركة والزج بهم إلى خارج مؤسسة صنع القرار.
من بين العوامل الأخرى التي تعزز من فتيل المواجهة واحتدامها داخل صفوف فتح، هي المرحلة الحساسة التي بدأت خلالها بعض القوى الناعمة في الحركة من فرز بعض الشخصيات وترشيحهم لقيادة الحركة ورئاسة السلطة، بالإضافة إلى بقاء الدور المهيمن لبعض الطبقات الاجتماعية والعائلية في العديد من أركان السلطة والتنظيم، وفي العديد من المؤسسات والنشاطات والقطاعات الاقتصادية كما في التجمعات والمدن ومخيمات الضفة، إلى جانب المظهر الآخر المرتبط بتداخل الأنماط الاجتماعية التقليدية وتحالفها مع البيروقراطية الحاكمة في السلطة.
من هنا نشأت بعض المتغيرات التي أحدثت انقلاباً على القانون وسلطة القانون، والتوسع في البحث عن تحقيق المصالح المشتركة بدلاً من البحث عن أدوات بسيطة لإدارة الصراع الوطني والاجتماعي، والحفاظ على قدسية الدم الفلسطيني، والقدرة على إنهاء حالة الفلتان والفوضى بين المجتمع الفلسطيني.