استفزت حادثة اغتيال أمين سر حركة فتح في بلاطة عماد الدين دويكات، ذاكرة الفلسطينيين في محافظة نابلس، إزاء حوادث اغتيال مماثلة طالت قيادات كتائب الأقصى، أبرزهم أبو العز حلاوة وأحمد الزعبور القائدين في الكتائب.
حادثتا القتل السابقتين شكلتا فصلا من فصول الصراع الفتحاوي الداخلي المحتدم، لا سيما مع موجة الانقسامات الجديدة التي شهدتها الحركة وصراع النفوذ القائم والمحتدم بين قيادات الحركة وأقطابها بالضفة.
قيدت قضايا الجريمة في ملفات سرية لم يطلع عليها حتى أقاربهم، لكنّ بقيت مفتوحة أمام موجة اغتيالات أخرى، في ظاهرها معالجة أمنية وفي باطنها برزت تساؤلات عديدة حول توقيت الحادثة ومسبباتها الحقيقية، وعن الأسباب والدوافع التي أدت لاستخدام النار ضد ممثل فتح في بلاطة؟
فلتان مبكر!
الإجابة عن تلك الأسئلة اتضحت يوما بعد يوم، عبر سباق التسلح الكبير بين قيادات واقطاب أمن السلطة في محافظات الضفة، خاصة في ظل تغول الأجهزة الأمنية وتحديدا جهاز المخابرات الذي يقوده ماجد فرج في الحالة السياسية والتنظيمية الفتحاوية.
وحذرت قيادات فلسطينية في وقت مبكر، من خطورة السباق نحو التسلح لدى قيادات فتح، خشية من شرعنة الفلتان الأمني، الذي سيطر على أجواء الضفة مؤخرا، في ظل اتهامات واضحة لقيادات أمنية وتنظيمية بالوقوف خلفه.
وقال خليل عساف نائب رئيس لجنة الحريات في الضفة المحتلة، إن هناك "سباق تسلح لدى بعض القيادات في محافظات الضفة لخلافة عباس، وهذه قضية يتحدث عنها الجميع ولم تعد مخبأة".
ووصف عساف في تصريح خاص بـ"الرسالة نت": هذا التسلح بـ"سلاح الفوضى والفلتان والزعرنة"، مضيفا: "سلاح خائن وخسيس الهدف منه حماية أشخاص".
وأكدّ أن هناك "تخوف بالمجتمع من ظاهرة التسليح، وإذا لم يقف بشكل حاسم أمام هذه الظاهرة، فسينتج عنها أذى كبير على الناس".
ونبه عساف إلى أن "السلاح بالضفة بات منتشر بشكل كبير ومن بينه أحدث الأسلحة m16 ، بيد مجموعة من المقنعين لا تتورع عن اطلاق آلاف الرصاصات في الأجواء".
وحول مظاهر الفلتان بالضفة المحتلة، أجاب أنّ 90% من المنفلتين في الضفة المحتلة، "إما تابعون لفصائل ومعروف من الفصيل الذي ينتمون إليه ليحميهم، أو ينتمون لأجهزة أمنية وهنا المصيبة والكارثة الأكبر".
مدينة نابلس شهدت مجموعة من الأحداث المماثلة، طالت لاغتيال كوادر عديدة سواء كان من طرف السلطة او المسلحين، فقبل ثلاثة أعوام كانت ذروة تلك الاحداث، اذ قتل حسن علي الحاج أحد افراد امن السلطة باشتباكات طورد على اثرها الزعبور قبل القاء القبض عليه ثم الإعلان عن وفاته داخل المعتقل، فيما قالت عائلته إن الزعبور مات مسموما.
النائب في المجلس التشريعي نايف الرجوب، علق آنذاك على هذه الأحداث بالقول: "قيادات السلطة منحت تسهيلات للخارجين عن القانون بحمل السلاح في الضفة لممارسة الاعتداء على قيادات الشعب الفلسطيني، "والسلاح الآن ينقلب عليهم".
واعتبر الرجوب في تصريح خاص بـ"الرسالة نت": أن ما يدور في مدينة نابلس أشبه بمعركة كسر عظم بين المجموعات المسلحة والسلطة، محملا الأخيرة مسؤولية هذا الفلتان، بعدم فرض قانون رادع لحاملي السلاح.
صراعات نفوذ!
ما يجري أمنيا لم يكن منفصلا عن وقائع ذات صلة حكوميا وسياسيا في ضوء التعيينات التي شهدتها السلطة مؤخرا وترقية أبناء وأقارب مسؤولي السلطة.
التعيينات عدّتها شخصيات حقوقية وسياسية بمنزلة تعبير عن صراع النفوذ ومحاولة لتثبيت قواعد وأركان الأقطاب المتصارعة في أجهزة السلطة.
ويعلّق لناشط السياسي بالضفة المحتلة نزار بنات، لجوء أمن السلطة إلى القوة، "شعورا منه بتمرد الناس وعدم التزامها بسياساتها".
وأضاف بنات في تصريح خاص بـ"الرسالة نت"، أن السلطة بدأت تدرك في ظل عدم رغبتها بتوفير الرواتب، أن الوظائف لم تعد هي التي تربط الناس بها، مشيرا إلى أنها تتعامل مع الحراك بطريقة قاسية جدا كونه يطالب بمحاربة الفساد.
بنات أكدّ أنّ السلطة لديها رغبة باستهداف الجميع بعد انكشاف قمعها أمام الناس، مرجعا سلوكها لخوفها أمام العجز السياسي القائم.
وتابع: "المجتمع بالضفة انهك بالديون والمشاكل والسلم الأهلي مهدد والوضع كارثي، وجرى تجريف الشارع من قياداته".
وأشار بنات إلى وجود استقطاب حاد بين قيادات السلطة، "من أجل رفع السعر"، "فهم لا يتصارعون من أجل مبادئ سياسية بل لخلاف على مال ومنصب وقضايا أخلاقية".
وختم بالقول: "كلنا ندرك أن قيادات السلطة أمنت مستقبل أولادها وأرادت تعيينهم للتغطية على ما فعل آبائهم".