على غرار مقهى القيشاوي الأثري في القاهرة، هناك مقهى أثري آخر في القدس، شهدت جدرانه عروبة الثقافة والمثقفين.. أسماء فلسطينية مقدسية عريقة جلست على مقاعده ما قبل وجود (إسرائيل) بأزمان عدة، وناقشت جنباته قضايا المدينة وساهمت في بناء نهضتها الصحافية والأدبية والتربوية.
"مقهى الصعاليك" هو مقهى تاريخي قديم تملكه عائلة طلبة المقدسية وتحديدا مختارها عيسى طلبة، فيما أضاف خليل السكاكيني إليه رائحة التاريخ والأدب والموسيقى الى جانب رائحة الشاي والبن والنعناع المغلي.
أنشئ المقهى قبل عام 1917 وأنشئ صالون خليل السكاكيني داخل المقهى عام 1917.
كان خليل السكاكيني يجتمع في مقهى المختار عند باب الخليل في القدس ليلتقي شلة من أصدقائه الأثيرين. وقد وضع دستوراً لهذه الشلة التي اسماها "جماعة الصعاليك".
وأُطلق على مقهى المختار اسم مقهى الصعاليك، فغلب الاسم الثاني على الأول واشتهر به.
وتقول المراجع التاريخية إن المقهى اشتهر في تلك الحقبة الزمنية حتى اجتمع على مقاعده كثير من الكتّاب العرب والفلسطينيين الأدباء والمثقفين وذلك بواسطة الحجيج الذين كانوا يجلبون معهم بعض الجرائد والمجلات والكتب الثقافية والأدبية التي تصدر في بلدانهم، فيجتمع السكاكيني وشلته ويتبادلون القراءة والمعلومات المنشورة في هذه المطبوعات.
ويذكر كتاب "الصحافة العربية في فلسطين" أن مقهى الصعاليك كان مضافة لخليل السكاكيني لاستقبال ضيوفه وكلما أتاه ضيف عربي جره الى زاوية من زوايا المقهى ليعرفه على شلة الكتّاب والمفكرين.
وكان من بينهم: أحمد زكي باشا وخليل مطران ومعروف الرصافي وغيرهم.
ومع الزمن أصبح للمقهى رواده من أهل السياسة والأدب وخاصة رجالها العرب المنفيين إلى فلسطين من السلطات الفرنسية أو اللاجئين إليها بعد انهيار الحكومة العربية التي أنشأها الملك فيصل بن الحسين خلال عامي (1918- 1920م) كان منهم المفكر والمناضل الوطني اللبناني علي ناصر الدين، وفي فترة لاحقة انضم إليهم رفيق الحسيني وانطاس حنانيا وايجور فراج بالإضافة إلى عدد من المحامين والأطباء والتجار المهتمين بالأدب والثقافة.
وقد أوضح الكاتب محمود شقير من خلال قراءاته ليوميات خليل السكاكيني أن مقهى الصعاليك كان في البداية كأي مقهى في مدينة القدس يقدم الشاي والقهوة والأرجيلة، وكان خليل السكاكيني يحب الجلوس فيه بشكل دائم مع رفاقه، ويقول شقير إن السكاكيني شكل حزبا بالفعل أسماه حزب الصعاليك ومن هنا اشتهرت تسمية المقهى بهذا الاسم.
من بين الذين جاؤوا الى المقهى، يضيف شقير: "الكاتب إسعاف النشاشيبي وموسى العلمي والكاتب عيسى الناعوري من الاردن، والكاتب محمود عزمي من مصر، والكاتب أمين الريحاني من لبنان".
ولقد أغلق المقهى الآن، وما زالت أبوابه الزرقاء المغلقة شاهدة على حقبة تاريخية لم تنته، اغلق بعد سنوات من هجرة السكاكيني الى مصر، علما أن السكاكيني هاجر بعد الاضطرابات السياسية في فلسطين وبسبب حالة اليأس والاحباط التي اصابته بعد وفاة زوجته سلطانة عبد، ولكن أبواب المقهى الزرقاء المغلقة، ما زالت شاهدا على خطوات أقدام الأسماء العظيمة التي مرت من هنا يوما، من باب الخليل، إلى مقهى الصعاليك.