اتفق الجميع على أن اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي لم يكن مفاجئًا؛ بوصفه أنه فقط انتقال لعلاقة محرّمة من السرّ إلى العلن، لكن بمعيار الخطورة عن اتفاقات سابقة، يتفوّق الاتفاق في السرّ والعلن.
كل اتفاقات "السلام" جلبت الضرر للقضية الفلسطينية، ومثّلت هدايا للكيان الإسرائيلي على طبق عربي من ذهب، لكننا لم نسأل أنفسنا هذه المرّة، ماذا يمكن أن يفعل سلام يصنعه "عيال"؟
أولًا: استبعاد أصحاب القضية، نحن الفلسطينيين، والانفراد بالعلاقة مع الاحتلال ضمن مسعى الأخير لتفكيك وتحييد العرب عن الصراع، واقتصاره في كونه قضية داخلية لم تعد تعني الدول العربية، بقدر حاجة هذه الدول إلى الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، عبر بوابة (إسرائيل).
ثانيًا: تقديم إنجاز مجاني أو "سلام وفق الطلب" سيوظفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وصفه بأنه "اتفاق تاريخي"، في كسب أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الـ 59، المقررة في نوفمبر المقبل.
ثالثًا: منح الاتفاق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ورقة إقليمية كفيلة بتحسين صورته لدى الجمهور الإسرائيلي، وتجدد الثقة به كـ "زعيم إسرائيلي" يمكن المراهنة عليه مجددًا، في وقت يشتد فوقه الضغط، وتعلو فيه أصوات التظاهرات المطالبة باستقالته على قضايا فساد، وبرأي آخر، جاء الاتفاق تلبية لمصالح يمينية إسرائيلية.
رابعًا: إعلان نتنياهو أن قرار الضمّ لا يزال على طاولة القرار الإسرائيلي، وأن تأجيله جاء بطلب أمريكي، يفضح كذب التبرير الإماراتي بأن الاتفاق كان مقابل "تعليق الضم"، ما يعني أن "سلام العيال" لم يقدّم للقضية الفلسطينية أي مقابل أو إنجاز عروبي، ولا يظهر أيضًا أن نتنياهو قدّم تنازلات لنا، غير أنه حصل على القبول العربي لـ "إسرائيل" في المنطقة نتيجة عمل مزدحم تحت الطاولة، فما كان باستطاعة نظام عربي وليد أن يفعل أمام من هم أقوى منه، غير أن يكون جبانًا.
ولخدمة هذا الهدف، سارع نتنياهو للظهور على شاشة قناة "سكاي نيوز عربية" الإماراتية، بعد أيام قليلة فقط من إعلان الاتفاق، ضمن فكرة خبيثة تهدف للإبقاء على حالة الصدمة، وتكرار التعرض لها، وصولا إلى حالة معايشة تصبح معها مظاهر التطبيع مثل أعراض مزمنة، فكان ظهوره رسالة بمعنى آخر، بأن الخطوة التالية من التطبيع لن تكون مفزعة أكثر من ذلك.
خامسًا: لم تعد الإمارات جزءًا من الإجماع العربي، وألقته باستخفاف خلف ظهرها، بانقلابها على مبادرة السلام 2002، التي تنص على أن إنهاء "الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي" مقدمة للتطبيع، لكن مساعي محمد بن زايد لتصدير الإمارات على أنها "بلد التسامح بين الأديان"، يبدو أنها غلبت عليه، وبدت له أوسع من الارتباط العربي تحت مظلة الجامعة، لتصبح بذلك الإمارات أول دولة خليجية تبرم معاهدة سلام مع الكيان، لكنها الثالثة عربياً بعد مصر والأردن.
سادسًا: دفعت الإمارات الباب بقوة أمام بعض الدول العربية التي تخفي ترددها في التطبيع مع "إسرائيل"، بإعادة التفكير وإزالة مخاوفها، ورأينا ذلك في مسارعة دول عربية للترحيب بالاتفاق، ومنها سلطنة عمان، والبحرين، والسودان، والموافقة السعودية من خلف النقاب. بمعنى أن الإمارات حرّكت الطابور.
سابعًا: يمثل هذا السلام انقلابًا على وصية المرحوم أول حاكم للإمارات زايد بن سلطان لأحفاده: "لا يمكن إقرار السلام في الشرق الأوسط طالما أن شعب فلسطين قد حرم من حقوقه وأرض أجداده"، والأهم أنه يخالف القانون الاتحادي (رقم 15) لسنة 1972 الذي وقعه الوالد زايد نفسه، ويجرم فيه التطبيع مع "إسرائيل"، وقدّ تعمّدت أن أضع هذا البند في ذيل مؤشرات الاتفاق وتوابعه؛ لإدراكي بأنه لا قيمة للقانون في دولة يحكمها "عيال".