غابت الصحافة الطبية المتخصصة في البرامج الإعلاميّة الفلسطينية، وبتنا نشاهد ضيوف تلك القنوات أنفسهم يتحدثون في أزمة الرواتب وفي تفاهمات التهدئة وفي الكورونا. زد على ذلك تقديمهم النصائح للأطباء، فهل هذا معقول بأنّ يتحوّل السياسي إلى ناصح للهيئة الطبية ووزارة الصحة وهو ليس متخصص في هذا الشأن! لكن هذا سببه يكمن في بعض الأحيان باستغلال كل الملفات المطروحة اليوم للتوظيف السياسي.
تحوّلت الصحافة الفلسطينية في بعض الأحيان لملحق صحفي ومتعاون لدى إدارة الاتصال بوزارة الصحة الفلسطينية بمعنى أن معظم الصحفيون اكتفوا بإعادة نشر ونقل ما تبثه مصالح الاتصال لدى الوزارات، وهذا ليس دور الصحافة بأن تكون حلقة وصل بين الوزارات المعنية بمقاومة الكوورنا وبين الرأي العام، علمًا أن جميع الوزارات لديها صفحات ومواقع إخبارية خاصة بها وبإمكانها أنّ تقوم بهذا الدور. إذ بات من المفروض على الصحافة الفلسطينية بمعالجة الأبعاد الجانبية لأزمة الكورونا عبر بث ريبورتاجات في كيفية حياة المواطنين في ظل هذه الكارثة، وكيف تدار عملية معالجة المرضى المصابين بالكورونا بالمستشفيات، بمعنى أن تخرج الصحافة من إطار المعلومة الرسمية والخبر الرسمي والتعليق، وتتحدث في الأبعاد الجانبية وتفسّر ما هي نتائج الكورونا على الاقتصاد والمؤسسات الصغرى والتشغيل، وهذه مقاربة تقودنا لأنّ نكتشف فائدة الصحافة. فلك أن تتخيل تضاعف حالات الخوف والهلع إذ غابت الصحافة المهنية واستقينا المعلومات من الفيس بوك والمنصات الاجتماعيّة.
تقول الفلسفة بأنّ الأزمة هي فرصة لاكتشاف الحلول الجديدة، وهذه مقاربة تقودنا لتقييم المنظومة الصحفية الإعلاميّة وتشخيصها. لكن في كثير الأحوال لم تقم الصحافة الفلسطينية بأداء دورها في التفسير، وليست قادرة على التحرّي ومعالجة الأخبار الكاذبة الرائجة عبر منصات الميديا الاجتماعية زمن أزمة الكورونا، وذلك لأنّ السياسيون لم يفعلوا شيئا في تطوير الصحافة والمؤسسات الإعلاميّة في فلسطين، وبالعكس هناك من سعى لإبقاء الصحافة في وضعها الحالي كي لا تقوم بدور الرقابة على السّلطة السياسية.
ختامًا: يكمن الحل الحقيقي اليوم في صحافة قوية تكون أمينة على سوق الأخبار، لكنّ وفي ظل غياب ثقافة التحري في الأخبار الكاذبة ومعالجتها وغياب مؤسسات التربية على وسائل الإعلام الرقمية في فلسطين، وجب على المواطنين تنمية الحس النقدي الذاتي لديهم. لأنّ هناك نوعًا من السذاجة عندما يصدّق الإنسان كل ما يقرأه على الفيسبوك ومنصات الميديا الاجتماعيّة.