المغازي- محمد بلّور- الرسالة نت
كلما حاول أن يزيح عن عقله ذلك السؤال رفع حاجبيه أسفا من سوء الجزاء وغرق رأسه في دخان سيجارته دائمة الاشتعال, هل صدقا "الثورة هل يفجرها الشجعان يحصد ثمارها الجبناء؟!".
أطلق الرصاص قبل 40 سنة وزرع العبوات الناسفة وقتل وأسر وأصاب كثيرا من ضباط المخابرات والجنود الإسرائيليين والآن يكافأ بقطع راتبه وتركه مهملا على الرصيف يتحسّر على أيام النضال والثورة .
في المكتبة
اسمه عاصم شحادة يعقوب حسونة , عمره 60 سنة , سجن قرابة 17 سنة وخرج عام 1985 يسكن مخيم المغازي وقد أنهى قبل عدة سنوات دراسة العلوم السياسية , والآن يملك مكتبة صغيرة يعمل فيها هو وأبناؤه.
في السقيفة الخشبية أعلى المكتبة يجلس أبو شحادة أمام مئات الدفاتر الورقية وقد أوعز لأحد أبنائه بتحضير الشاي استعدادا لقصة شرحها يطول.
سجن عام 1969 بتهمة تنفيذ أعمال فدائية مع الجبهة الشعبية, عن بداية مقاومته قال:"كنا شبابا ناشئا ندافع عن القضية فانتميت لحركة القوميين العرب وأنا في 19 من عمري برفقة مجموعة ضمت محمد مصلح جحّاحة وجلال عزيزة وحلمي البلتاجي وغازي أبو جياب ثم عملنا تحت الجبهة الشعبية فاتصلنا مع جورج حبش ووديع حداد.
مقاوم عتيق
بدأت المجموعة وضع الألغام للدوريات وخطف الجنود واغتيال ضباط المخابرات واستهداف المواقع العسكرية وقد وصل عددها إلى 16 مقاوما في القطاع .
يعود بمقعده للوراء واضعا ساقا على ساق معددا أهم العمليات التي شارك فيها ومنها قتل ميجار جنرال الكسندر البريم عبر مهاجمة سيارته قرب البريج وهو قائد عسكري شارك في الهجوم على مصطفى حافظ وقد أدى لقتله واثنين معه ثم استولوا على حقيبته وسلاحه .
أما العملية الثانية فكانت قتل الجنرال "دافيد ميمون" وهو قائد سابق لسلاح المدرعات في سيناء وضربوه بثلاث قنابل ورشاشات قرب الشجاعية أما الثالثة فكانت قتل الكابتن داوود في ميدان فلسطين والرابعة قتلوا فيها ضابطي مخابرات داخل مبنى بناية أبو خضرة إضافة لضرب صواريخ على مقر أنصار وعمليات أخرى .
يعدل منظاره الطبي ويؤكد أن الإمداد كان يأتي به من بور سعيد بالتنسيق مع القيادة المصرية فيصل عبر البحر ثم ينقل للقطاع .
وتؤيد رواية حسونة لائحة اتهام المحكمة الإسرائيلية التي اطلعت عليها الرسالة والموقعة بتاريخ 16-4-1970 .
متهم خطير
نصب جنود الاحتلال كمينا عسكريا في دير البلح للسيد حسونة أثناء محاولته تهريب اثنين من الجنود الاسرائيليين المأسورين واسماهما "داوود ومزراحي" لبور سعيد أو لبنان حسب الخطة , يومها حاول اجتياز الموقف بهوية مزورة لكن الجنود قيدوه في لمح البصر .
أمسك حسونة برزمة أوراق هي لائحة الاتهام وما نشر عنه في الصحف العبرية والأجنبية منها "جيروزلم بوست-الاندبندت-يدعوت أحرنوت-جريدة الأنباء تؤكد ضلوعه في 33 عملية منفردا ومشتركا مع آخرين .
وأشهر صورة لصحيفة قديمة يظهر فيها برفقة 3 شبان في قفص الاتهام مرتدين زيا رثا وقبعات شتوية مخططة .
حاول حسونة اغتيال ديان برفقة زميله البلتاجي فأحضرا سيارة مفخخة وعندما وصلا تل أبيب غيّر ديان من خط سيره ما دفعهما لتفجيرها في مصنع للكرتون .
استشهد معظم مجموعة حسونة ولم يبق على قيد الحياة سوى هو وأبو جياب وقد حكم بالسجن المؤبد 9 مرات و90 سنة أمضى منها سنوات في سجن المجدل وغزة حتى خرج في صفقة الأسرى عام 1985 وقد أصدرت المحكمة يومها عليه حكما بالإعدام استبدلت بالمؤبد لعدم وجود عقوبة الإعدام في القانون.
بتغطية صحفية غير مسبوقة نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية أنباء تتحدث عن إلقاء القبض على "رجل إرهاب خطير" هو حسونة ثم عذبوه في التحقيق بالكهرباء والشبح والمياه الباردة والساخنة ما ترك آثارا مرضية في عموده الفقري وساقه ومعدته ورجفة أعصاب في يده إضافة إلى رصاصة ترقد في جسده وحروقا في وجهه وجسده .
تكريم مقاوم
عندما قدمت السلطة الفلسطينية للأراضي المحتلة كرّم الرئيس الراحل عرفات حسونة فمنحه رتبة رائد براتب مقطوع تقديرا لتضحيته .
في العاشر من يونيو عام 2008 فوجئ أن حكومة عباس في رام الله قطعت راتبه دون سبب يذكر رغم بعده عن كافة التوجهات والخلافات السياسية .
يرشف حسونة من فنجان القهوة ويضيف:"لا أدري لماذا قطعوا راتبي هل لأني تكلمت عن الأوضاع وسلوك السلطة الخاطئ ما أدى لتعزيز وجود حماس في غزة ؟! الكلام رحل عبر تقارير ولم يفكروا في مشواري ونضالي 17 سنة! هل رأوني يوما وأنا أحمل السلاح؟! أم لم يروا سوى كلامي!" .
شنّ حسونة حملة اتصالات على نواب التشريعي التابعين لحركة فتح ووزرائها ومكتب فياض في الضفة المحتلة دون جدوى .
وقال ساخرا : أبواب الوزارات في الضفة مكتوب عليها "إن شاء الله بيصير خير! " قبل أن يقهقه شر البلية ما يضحك, كما توجه لحركة حماس التي قالت له إن راتبه مفروز على منظمة التحرير.
وأكد أن الأسرى المحررين في الضفة وغزة يحصلون على راتب مقطوع وقد طالبوا عدة مرات بتعديل أحوالهم المعيشية، كما لجئوا إلى مؤسسة الضمير لرفع احتياجهم .
ويطالب حسونة بإعادة راتبه وتعديله من مقطوع إلى راتب طبيعي والحصول على تأمين صحي ومعاملته وأمثاله كبقية الموظفين.
وأضاف:"نحن من حارب وسجن بدل ما يكرمونا يقطعوا راتبنا المقطوع-يضحك-قطعوا المقطوع بالمرة! والآن أصبحنا في الشارع" .
وفضل حسونة العمل في مكتبته إيقاف نشاطه السياسي منذ خرج من السجن حيث له بعض التحفظات على العمل السياسي والسياسيين في الجبهة الشعبية هذه الأيام واصفا تضحية العسكريين بأنها كانت جسرا لعبور كافة القادة السياسيين .
محبطا يتردد حسونة على احد مكاتب حركة فتح لمتابعة مشكلته وفي كل مرة يردوا عليه بالقول "بيصير خير" .
ويعجب من تردي حالته وهو ابن 60 سنة وله 4 أولاد و3 بنات عاش 17 سنة بعيدا عنهم وقارع الاحتلال لسنوات طويلة متسائلا عن وطنية من قطع راتبه وتركه يصارع العدو والصديق.
ومرّ بلحظات قاسية منها استشهاد زملائه وإصابتهم في عمليات المقاومة حتى حلّت به أسوأ الأيام وهي أيام اعتقاله واليوم تتوّج معاناته بقطع راتبه .
وعلّمت حياة السجن أبو شحادة الكثير فقرأ في المعتقلات كثيرا من الكتب السياسية والقصص والكتب الأدبية واستفاد من الأسير مهدي بسيسو فن التعامل حين اجتمعا في حجرات السجن لسنوات لكن سؤالا واحدا يحيره "هل يكافأ المقاوم والأسير على تضحيته بقطع رزقه؟!".