د.عدنان أبو عامر
تدور في الأوساط الإسرائيلية منذ أسابيع فرضية سياسية تشير إلى أن أحد الأسباب الرئيسية التي تمنع الحكومة الإسرائيلية والسلطة من التوصل إلى حل سلمي ودائم، يعود إلى ما تصفه "تل أبيب" بـ"عجز" الأجهزة الأمنية للسلطة" عن فرض الأمن والنظام في أرجاء الضفة الغربية المحتلة، وعدم قدرتها على تأمين منع حركة حماس من السيطرة على الضفة كما حصل في غزة، وتحويلها إلى قاعدة انطلاق لتنفيذ عمليات عسكرية ضدّ الدولة العبرية.
وأياً كانت صحة هذه الفرضية، وربما رغبة "إسرائيل" بإعاقة التوصل إلى حل سياسي مع السلطة تحت هذه الذريعة، إلا أنه بات من الواضح، وباعترافات قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك أن هدف "إزاحة حماس" عن الواجهة السياسية كانت عنوان كل العمليات المكثفة التي قام بها الجيش خلال السنوات القليلة الماضية، تحديداً بين عامي 2002-2007.
ففي كل شهر يتم تنفيذ عمليات المداهمات والاعتقالات، إلى جانب إغلاق المنظمات الخيرية، والقيام بحملات تفتيش ومداهمة في المساجد، وتجميد حسابات بنكية وشركات تابعة لحركة حماس، او لها علاقة بها.
ووفقاً لذات الاعترافات، فإنّ مثل هذه العمليات تقوم بها قوات تابعة للسلطة بفعالية كبيرة، وتحديداً بين عامي 2007-2010، ربما تفوق فعالية الجيش الإسرائيلي، لأن هذه الأجهزة تتعامل مع حماس، بطريقة عنيفة.
وفي حين أن الأمريكيين يتولون المسئولية الإدارية والتنظيمية عن أجهزة السلطة في الضفة ، في حين يقوم الأوروبيون بدعم " شرطة السلطة" العادية.
* إعادة التأهيل
الأوساط الأمنية في "إسرائيل"، تبدي قلقها الشديد من حقيقة عدم نجاح سياسة ما وصفتها بـ"إعادة تأهيل" الأجهزة الأمنية التابعة لعباس، مرجعة الأمر إلى أربعة أسباب جدية تحول دون تطبيق سياسة إعادة التأهيل، وهي:
1- العملية تتم بصورة بطيئة للغاية، الأمر الذي ينعكس سلبا على الأجهزة العاملة، ويستنزف قوتها،
2- شح الموارد، بالرغم من ضخ أموال طائلة لهذه الأجهزة خارج إطار الموازنة المالية الفلسطينية في بعض الأحيان.
3- عدم وجود تعاون كاف من طرف "إسرائيل"، المعنية جدا بإنجاح عملية بناء الأجهزة الأمنية من قبل الأمريكيين والأوروبيين، لكنّها في المقابل تخشى أن تنتقل الأسلحة الموجودة اليوم بأيدي قوات الأمن التابعة لعباس إلى الخلايا المسلحة المعادية في الضفة .
4- عدم رغبة "إسرائيل" بتوثيق التعاون في مع الأجهزة الأمنية التابعة لعباس، ويظهر ذلك جليا عندما يقوم الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك بتنفيذ عمليات في الأراضي الفلسطينية بدون تنسيق مسبق مع الفلسطينيين.
وهذا الأمر لا يتعارض مع ما يسمى حالياً بـ"عقيدة التنسيق الأمني"، لأنّ الجيش لا يأخذ بعين الاعتبار الانعكاسات السلبية لهذه العمليات على صورة الأجهزة الأمنية التابعة لعباس بنظر الجمهور المحلي.
وتخلص ذات الأوساط المقربة إلى القول أن عدم الثقة الإسرائيلية بمدى صدقية الأجهزة الأمنية التابعة لعباس، وباستعدادها لمحاربة ومكافحة ما أسماه الخلايا المسلحة في الضفة ، تسيطر عميقا على دوائر صنع القرار في "تل أبيب".
* التدخل الأمني
وبالتالي إذا استمرت هذه العقيدة بالسيطرة على صنّاع القرار في الدولة العبرية، فانّ "إسرائيل" قد تفقد فرصة ذهبية لاجتثاث حركة حماس في الضفة بمساعدة فلسطينية، ولإحداث تغيير ايجابي بعيد المدى.
علماً بأن المسئولين الأمريكيين في مجال إعادة تأهيل أجهزة الأمن التابعة لعباس، فإنهم يعملون عن قرب مع القادة العسكريين الإسرائيليين في الضفة ، والعلاقة بينهما تقترب من أن تكون "علاقة مثالية".
وليس سرا، كما تؤكد على ذلك المصادر الإسرائيلية والأمريكية، أن عملية اختيار من سيشاركون في التدريبات التي تجري للعناصر الفلسطينية يتم عن طريق أربعة أجهزة استخباراتية خارجية:
1- المخابرات المركزية الأمريكية CIA، التي تختبر المرشحين؟
2- جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) الذي يدقق في الأسماء.
3- أجهزة الأمن الأردنية التي تقوم بإجراء فحص آخر دقيق.
4- وبطبيعة الحال هناك الفحص الداخلي من قبل أجهزة الاستخبارات التابعة لعباس نفسها.
ويتم تدريب هذه العناصر في مخيمات تدريب قريبة من عمان، ومن قبيل الصدفة أن يكون المكان هو نفسه الذي دربت فيه الولايات المتحدة الأمريكية قوات الأمن العراقية بعد احتلال بغداد عام 2003، حيث تم إعداد برامج التدريب بشكل مشترك من قبل الولايات المتحدة "وإسرائيل"، حيث أن للأخيرة وضع حق الفيتو على محتوى البرنامج، فيما يقوم الأمريكيون والأردنيون بعملية التدريب.
كما لا يقتصر التدخل والفحص الإسرائيلي على برامج التجنيد التدريب وحدها فقط، بل إن الأسلحة التي ترسل للقوى الأمنية التابعة لعباس تخضع للتفتيش الإسرائيلي، في مختبر الشرطة الإسرائيلية، بهدف تحضير لائحة دقيقة، لتحديد كل سلاح في حال تم استخدامها في أعمال مسلحة موجهة ضد الدولة العبرية.
هذا الحديث الإسرائيلي يعيدنا إلى اجتماع هام عقد في صيف العام 2008، وسُمح حينها لكبير المحللين السياسيين الإسرائيليين، بحضور اجتماع تنسيق مشترك بين ضباط في الجيش الإسرائيلي ورؤساء الأجهزة الأمنية التابعة لعباس، وهو أمر كان يتم بشكل غير معلن في السابق، وبعيدا عن الإعلام.
* شهادات للتاريخ!
وما سمعه المحلل السياسي الأبرز في "إسرائيل" "ناحوم برنياع" وقتها شكل له صدمة حقيقية، لدرجة أنّه عندما نشر انطباعاته في الصحيفة عن الاجتماع كتب قائلا: الرغبة العميقة في العمل مع "إسرائيل" هي أمر لم يسبق لي أن سمعته من قيادة سلطة فتح، فيما عدا فترة قصيرة في ربيع سنة 1996.
وبحسبه، فقد كان من ضمن الأشخاص الذين حضروا الاجتماع المذكور في مستوطنة "بيت ايل" القريبة من رام الله، قائد جهاز الأمن الوطني التابع لعباس ، الذي أكد لضباط الاحتلال أنّه ليس هناك خصام بيننا، لأنه لدينا عدو مشترك، قاصدا بذلك حركة حماس!
فيما قال مدير جهاز الاستخبارات التابع لسلطة فتح في رام الله، الذي كان حاضرا أيضا، فقد نُقل عنه قوله: "لقد قررنا وضع كل مشاكلنا على الطاولة، كل شيء مكشوف، وليس هناك المزيد من الألاعيب، حماس هي العدو، ونحن قررنا خوض الحرب ضدها، أنا أقول لكم، لن يكون هناك حوار معهم، من يريد قتلك عليك أن تسارع إلى قتله، أنتم الإسرائيليون من توصل إلى هدنة معهم أما نحن فلا!
وخلص إلى القول: "للأمانة أقول، إننا كنا نتصرف بشكل مغاير في الماضي، أما الآن فنحن نتولى أمر كل مؤسسة تابعة لحماس ترسلون اسمها إلينا"!