ألقت نفسها في حضنه، تختبئ الآن بين أضلعه، في حين تلتف ذراعاه حولها بإحكام، كيف نسي ماهر الوجع الآن؟، ثم كيف استطاع رسم ابتسامة رغم شحوب هذا الوجه لتسعين يومًا؟!
عادة يحتاج الآباء لحضن صغارهم أكثر من حاجة الصغار لذلك، تمامًا كصورة الأسير ماهر الأخرس التي قفزت أمام وجوهنا جميعًا وهو يحتضن طفلته تقى بعد 90 يومًا من الإضراب!
الشهر الرابع!
هذا الأب يدخل شهره الرابع من الإضراب عن الطعام في معركة تمرده على الاعتقال الإداري منذ نهاية يوليو الماضي، في حين نكتب نحن هذه السطور عن ذاك الحضن، عن تلك الابتسامة التي استطاعت أن تأخذ رقعة واسعة رغم كل هذا الوجع!
داخل إطار الصورة تلخصت الحكاية، يناضل هذا الأسير، يستمر في معركته رغم كل شيء، ثم إنه يبتسم لأجل تُقى ولأجل حريته.
في مستشفى كابلان التقت الطفلة بوالدها بعد محاولات إسرائيلية سابقة لمنعها، حيث كانت تتمنى لقاءه أو مجرد حضن صغير معه.
تزوره تُقى بالتزامن مع رفض المحكمة العليا الاسرائيلية في القدس يوم الأحد الماضي، طلب محاميته أحلام حداد، بالإفراج الفوري عنه في ظل خطورة حالته الصحية، وأعادت قرارها السابق بتجميد اعتقاله الإداري دون الإفراج عنه.
بابا افتح!
"حريتي أو الشهادة" هذه الجملة الأشهر للمضرب ماهر التي انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي بعد مقابلة معه والتي كانت جوابه الوحيد للاحتلال، حيث أكد خلالها أن المحتل عامله بطريقة وحشية ولم تكن لديه قوة الوقوف على الأرض.
تقى التي كانت قد ظهرت عبر مقطع مصور وهي تصرخ أمام غرفة والدها في مستشفى كابلان، تطرق الباب عليه وتبكي، ثم تنادي "بابا افتح"، منعها جنود الاحتلال الإسرائيلي من الاقتراب أكثر. وحدها من تدرك عدالة قضية أبيها، تدرك أنه على صواب، هذا الأب العملاق في نظرها، صمد لأجل كرامته وكرامتها لثلاثة أشهر كاملة!
الأسير ماهر جدد تأكيده، على أنه مستمر في إضرابه ولن يتناول أي طعام إلا وهو حر طليق، مطالبًا بإلغاء الاعتقال الإداري كليًا وليس تجميده.
يدرك كذلك، رغم تردي حالته الصحية ودخوله مرحلة الخطر، أن الحرية تنتزع انتزاعاً من الاحتلال وليس عبر استجدائها من مجلس الأمن، موجهًا رسالة لزملائه الأسرى في سجون المحتل مفادها: "يجب أن يكون أسرانا كالأسود في وجه عدونا، مؤكدًا "هو ضعيف أمام إرادتكم".
انتهى حضن الأب الثابت في معركته لابنته تقى، كان ذاك اللقاء شحنة أمل جديدة بالنسبة له، فابتسامة الصغيرة جددت صبره والعزيمة!