نجح رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو في اقناع العرب بأن القضية الفلسطينية باتت عقبة في وجه مصالحهم المشتركة وتطبيع العلاقات، واستطاع أن يستغل الظرف السياسي والاقتصادي والعسكري لقلب المعايير.
وبعد أن كانت القضية الفلسطينية السبب في عزل الاحتلال، باتت (إسرائيل) عبر اتفاقات التطبيع مع الدول العربية والإسلامية تعزل القضية الفلسطينية.
وبعد سنوات من الحصار المالي والسياسي على المقاومة الفلسطينية بدأت اتفاقات التطبيع التي تخرج للعلن تشكل التهديد الأخطر والعلني ضد القضية الفلسطينية ومقاومتها.
آخر وأخطر اتفاقات التطبيع هي التي جرت بين الاحتلال والسودان وقد تكون الأكثر تأثيراً على القضية الفلسطينية وخاصة المقاومة، حيث يتخذ هذا الاتفاق بعدا أمنيا وعسكريا مهما، وقد نشرت وزارة الاستخبارات (الإسرائيليّة) تقريرًا يتحدث عن المصالح الإسرائيليّة في السودان، أبرزت فيها أساس القضايا الأمنية والعسكريّة.
وشكل وقف إمدادات السلاح لغزّة الاهتمام (الإسرائيلي) الأوّل في السودان الدولة التي تقع على شواطئ البحر الأحمر (وتشرف) على مسار تهريب البشر والسلاح والتجارات من الشمال إلى الجنوب.
وقد شكل السودان لسنوات طويلة خط امداد رئيسي في عمليات تهريب السلاح وايصاله للمقاومة الفلسطينية الأمر الذي عرضها للاستهداف والقصف مرات عديدة سواء داخل الدولة أو على حدودها، بهدف منع توصيل قوافل السلاح للمقاومة.
وترى (إسرائيل) أن الموقع الجغرافي للسودان يمكنه أن يساعد في خفض خطر تموضع "جهات معادية" على طول خط الملاحة الأساسي (لإسرائيل)، وعلى المدى البعيد، هناك إمكانيّة لعمليات أمنية مشتركة في المنطقة".
وبحسب التقرير فإن الاتفاق يمكّن السودان من المساعدة في منع تهريب السلاح في خطّ السودان – مصر – غزّة، ومنع تموضع جهات تجهّز "لعمليات تخريبيّة معادية" على أراضيه وإمكانية إحباط إقامة قواعد بحرية لجهات معادية مثل إيران وتركيا على شواطئ البحر الأحمر".
ويشير التقرير إلى أنّ (إسرائيل) بإمكانها أن تساعد السودان "في الدفاع عن حدوده وفي تصدير معدات أمنية".
ومع ذلك، هناك خطر كبير في استخدام تكنولوجيا (إسرائيليّة) ضد معارضي النظام أو جهات معارضة عبر الإضرار بحقوق الإنسان، لذلك فإن احتمال الصادرات الأمنية المباشرة ضئيل في هذه المرحلة.
مسار التطبيع لم يكن مفاجئا، فقد جاء بعد سلسلة من الإجراءات والخطوات ضد المقاومة خاصة من دول الخليج التي باتت تحظر أي تعاون مع الفصائل الفلسطينية، أوضح تلك الخطوات جاء من السعودية التي اعتقلت الدكتور محمد الخضري وعشرات الفلسطينيين والأردنيين، بتهمة دعم "كيان إرهابي"، في إشارة إلى حركة حماس.
من ناحية أخرى أوقفت السعودية ودول الخليج كل أشكال الدعم المالي والشعبي للمقاومة الفلسطينية وعملت على تجفيف مصادر تمويلها ووقف إرسال التبرعات الخيرية، والمساعدات التي كانت تقدمها الدول أو مؤسسات أهلية، علاوة على منعها من الوصول لغزة.
كما بادرت الإمارات لحملة اعتقالات واسعة في صفوف الفلسطينيين المقيمين على أراضيها، وأدخلت المئات من العائلات الفلسطينية بحالة توتر وقلق على مستقبلهم، وكانت الدولة الخليجية الأولى التي تجاهر بعدائها للمقاومة الفلسطينية واعتبرتها حركة إرهابية، فيما يبدو أن كل تلك الخطوات كانت بالتنسيق مع الولايات المتحدة والاحتلال بغية الوصول للتطبيع الكامل.
ولا يخفى على أحد أن القضية ومقاومتها اليوم تمر بأزمة غير مسبوقة جراء انهيار منظومة الدعم العربي المالي والسياسي والاقتصادي، في ظل هرولة نحو التطبيع ما يضع القضية في حالة عزلة حقيقية.