أمرَ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنشر آلاف الجنود من أجل حماية أماكن العبادة، عقب مقتل 3 أشخاص الخميس في هجوم بسكين داخل كنيسة في مدينة نيس جنوبي فرنسا، في حين توالت الإدانات للهجوم من دول شتى غربية وعربية وإسلامية.
وقال ماكرون في تصريحات من موقع الحادثة إن فرنسا تعرضت لهجوم من "إرهابي إسلامي"، وهو وصف أصرّ على استخدامه في حالات مماثلة بالرغم من إثارته حفيظة الأوساط الإسلامية.
وتابع قائلا إن فرنسا تتعرض للهجوم "بسبب قيمنا، بسبب رغبتنا في الحرية، وبسبب إمكانية التمتع بحرية العقيدة على ترابنا".
وأضاف "أقولها ثانية اليوم بوضوح كبير: لن نرضخ"، معلنا زيادة عدد الجنود في عملية "سانتينيل" من 3 آلاف إلى 7 آلاف جندي، لحماية مواقع مهمة، منها دور العبادة والمدارس، خصوصا مع اقتراب عيد "جميع القديسين" لدى الكاثوليك الأحد.
أعلى درجات التأهب
من جهته، أعلن رئيس الوزراء جان كاستيكس رفع حالة التأهب الأمني في فرنسا إلى أعلى درجاتها، وهي "طوارئ لمواجهة اعتداء"، في إطار خطة "فيجيبيرات" لحماية الأراضي الفرنسية.
وقال رئيس بلدية نيس كريستيان إستروزي إن الهجوم في كنيسة نوتردام كان مماثلا لقطع رأس المعلم صمويل باتي في ضواحي باريس في وقت سابق من الشهر الجاري، وذلك بعدما عرض رسوما مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في فصله الدراسي.
وأضاف إستروزي "طفح الكيل… حان الوقت الآن لكي تتبرأ فرنسا من قوانين السلام، من أجل القضاء نهائيا على الفاشية الإسلامية في أراضينا".
ملابسات الهجوم
ووقع الهجوم في التاسعة صباحا تقريبا (8:00 بتوقيت غرينتش)، حيث دخل رجل مسلح بسكين إلى الكنيسة وطعن خادمها (55 عاما) حتى قتله، وقطع رأس امرأة مسنة (60 عاما) وطعن امرأة أخرى (44 عاما)، وفقا لما أعلنه المدعي العام الفرنسي لمكافحة الإرهاب جان فرانسوا ريكارد في مؤتمر صحفي مساء الخميس.
وأوضح ريكارد أن الضحية الثالثة تمكنت من الفرار إلى مقهى قريب ثم لفظت أنفاسها الأخيرة هناك، وأضاف أن الشرطة وصلت بعد ذلك وتصدت للمهاجم الذي كان لا يزال يهتف "الله أكبر"، وأصابته بالرصاص، وقد نقل إلى المستشفى وحالته حرجة.
وصرّح ريكارد بأن المهاجم تونسي يبلغ من العمر 21 عاما، وقدم إلى فرنسا من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، نقطة الوصول الرئيسية للمهاجرين القادمين من أفريقيا، والتي وصل إليها في 20 سبتمبر/أيلول الماضي.
وأضاف أنه وصل إلى مدينة نيس بالقطار صباح الخميس، وأنه بدل ملابسه في محطة القطار ثم ترجّل إلى الكنيسة ليشرع في هجومه.
وأشار إلى أن الشرطة وجدت بحوزته مصحفا وأن أغراضه الشخصية كانت تحوي خنجرين لم يستخدمهما. وأضاف أنه "كان يحمل وثيقة من الصليب الأحمر الإيطالي باسم مواطن تونسي ولد عام 1999 وهي معلومات تنطبق عليه وهو غير معروف لدى الأجهزة الأمنية".
ونقلت رويترز ووكالة الصحافة الفرنسية عن مصادر أمنية وقضائية أن المهاجم يدعى إبراهيم عويساوي، وأنه قدم من لامبيدوزا الإيطالية خلال الشهر الجاري، حيث كانت السلطات المحلية ألزمته بحجر صحي قبل أن يرغم على مغادرة الأراضي الإيطالية ويفرج عنه.
من جهة أخرى، قال المتحدث القضائي في تونس محسن الدالي إن "القطب القضائي لمكافحة الإرهاب فتح تحقيقا عدليا في شبهة تورط تونسي في هجوم نيس الإرهابي".
مسلح يميني
وفي غضون ساعات من هجوم نيس، قتلت الشرطة رجلا هدد المارة بمسدس في منطقة مونتفافيه بمدينة أفينيون جنوبي فرنسا.
وأفاد مراسل الجزيرة بأن هذا الشخص ينتمي إلى حركة "الدفاع عن أوروبا" المنتمية لأقصى اليمين. وقالت وسائل إعلام فرنسية إن الشرطة أطلقت النار عليه بعد تهديده تاجرا من أصول مغاربية.
ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن مسؤول بالشرطة قوله إن الرجل قتل بعدما رفض إلقاء سلاحه. وكانت تقارير صحفية فرنسية قد زعمت بادئ الأمر أن الرجل هتف "الله أكبر".
ونقلت صحيفة لو فيغارو الفرنسية عن مصدر بالنيابة قوله إن الرجل كان يخضع لعلاج نفسي، وإن الادعاء لا يعتقد أن هناك دافعا إرهابيا لديه.
وحركة "الدفاع عن أوروبا" أو "حركة الهوية" هي حركة سياسية أوروبية تأسست أواخر القرن الماضي، وتزعم الدفاع عن هوية أوروبا وحمايتها من التحولات الاجتماعية والديمغرافية الناجمة عن الهجرة، ولها عدة فروع أشهرها حركة "جيل الهوية" الشبابية.
وبالتزامن مع هجوم نيس، أعلن التلفزيون السعودي -صباح الخميس- اعتقال سعودي في مدينة جدة بعد مهاجمته حارسا في القنصلية الفرنسية. وأكدت السفارة الفرنسية بالسعودية أن الحارس نقل إلى المستشفى بعد طعنه، وقالت إن حياته ليست في خطر.
وتأتي هذه الأحداث في خضم غضب المسلمين في فرنسا وفي مختلف أنحاء العالم، بعد دفاع الرئيس الفرنسي عن نشر رسوم مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه، وتصريحه في وقت سابق بأن الدين الإسلامي يعيش أزمة في كل مكان.
وقد توالت المواقف المنددة بهجوم نيس والمعبرة عن التضامن مع فرنسا، إذ كتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريدة على تويتر "تقف أميركا مع حليفنا الأقدم في كفاحه. يجب أن تتوقف هذه الهجمات الإرهابية الإسلامية المتطرفة فورا. لا يمكن لأي بلد، فرنسا أو غيرها، تحملها طويلا".
ودان قادة دول الاتحاد الأوروبي الهجوم بأشد العبارات وعدّوه هجوما على قيم أوروبا المشتركة، وأكدوا -في بيان مشترك- وقوفهم وتضامنهم مع فرنسا حكومة وشعبا، في الحرب المشتركة والمتواصلة ضد الإرهاب والتطرف العنيف على حد وصفهم.
وأعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تضامنها مع فرنسا عقب "الهجوم الوحشي" في نيس. ووصفت روسيا الهجوم بأنه "مأساة مروعة"، وقال الكرملين إن من غير المقبول إيذاء المشاعر الدينية كما أن من غير المقبول قتل الناس.
تركيا ترفض التحريض
من جهتها، دانت الخارجية التركية الهجوم وأبدت -في بيان- تضامن بلادها مع الشعب الفرنسي في مواجهة العنف والإرهاب.
وفي الوقت نفسه، قال رئيس مكتب الاتصالات في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون إنه لا يمكن استغلال الإسلام باسم الإرهاب، وأضاف "ندعو القيادة الفرنسية إلى تجنب المزيد من الخطاب التحريضي على المسلمين والتركيز بدلا من ذلك على ضبط مرتكبي هذا العمل وأعمال العنف الأخرى".
وفي مصر، ندد الأزهر وشيخه أحمد الطيب بالهجوم، قائلا في بيان إنه "لا يوجد بأي حال من الأحوال مبرر لتلك الأعمال الإرهابية البغيضة التي تتنافى مع تعاليم الإسلام السمحة وكافة الأديان السماوية"، داعيا إلى "ضرورة العمل على التصدي لكافة أعمال العنف والتطرف والكراهية والتعصب".
وفي باريس، وقف النواب في الجمعية الوطنية دقيقة حدادا على أرواح الضحايا، وقالت رئيسة بلدية باريس آن إيدالغو إن سكان نيس "يمكنهم الاعتماد على دعم مدينة باريس والباريسيين".
وندد ممثل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بالهجوم بشدة، وقال "دليلا على الحداد والتضامن مع الضحايا وأحبائهم، أدعو جميع المسلمين في فرنسا إلى إلغاء جميع الاحتفالات بالمولد النبوي".
من جهة أخرى، دان رئيس مجلس مسلمي أوروبا سمير الفالح ما وصفه بالهجوم الأرعن على كنيسة نوتردام في نيس.
وانتقد الفالح -في حديث صحفي- ما سماها الأعمال الإرهابية التي تجتاح فرنسا، مؤكدا أن الإسلام والمسلمين أبرياء منها، وأنه يجب التصدي لمن يرتكبونها باسم الدين.
المصدر : الجزيرة + وكالات