الرسالة نت – أحمد الكومي
مع استمرار الدعوات المطالبة بإعادة إعمار قطاع غزة بفعل العدوان الصهيوني الأخير، وربط المصالحة بالمستحقات المالية العربية المخصصة لذلك، نجد أن المواقع الأثرية بغزة تُركت دفينة الكثبان، لينهش عظامها خطر التقصير واللامبالاة من القائمين عليها، مما يوشك باقتراب اختفاءها.
"الرسالة" آثرت أن تسلط الضوء على المخاطر المحدقة بالمواقع الأثرية بغزة، في ظل إصرار الاحتلال على تزوير التراث وطمس الحضارة الفلسطينية، إلى جانب توضيح السبل الكافية بالنهوض بالمواقع التي يزخر بها القطاع.
نقص الخبرة والحصار
الدكتور أحمد محيسن مدير مركز إيوان لعمارة التراث بالجامعة الإسلامية، أكد أن المواقع الأثرية بغزة مهددة بالاختفاء نتيجة للإهمال والتقصير الكبير بحقها، مشيراً إلى أن أغلب العقبات التي تواجه المركز فيما يتعلق بترميم المباني الأثرية، هي أن أغلبها يعود إلى أملاك خاصة يصعب التواصل مع أصحابها نتيجة لعدم الوعي والإدراك بمدى أهمية هذه الأماكن.
وأوضح محيسن في حديثه لـ"الرسالة نت" أن عدد المباني الأثرية بالقطاع وصل لـ"150" بيت، وأن 40% من أصحابها يقطنون بداخلها، والباقي مهجورة، لافتاً إلى أن قلة الوعي، وتردي الأوضاع الاقتصادية نتيجة الحصار، دفع ببعض أصحاب هذه البيوت إلى هدمها والتوسع في بناء بيوت أخرى.
وقال : المركز يسعى جاهداً للحلول دون طمس هوية هذه المواقع والمباني الأثرية، من خلال التعامل مع جهات مانحة ومؤسسات محلية ودولية تساعد في عمليات الترميم والحفاظ على البيوت القديمة وخاصة المسكونة.
ولعل من أهم ما تواجهه المواقع من خطر الاختفاء، هو استخدام عمال ليس ذوي اختصاص وخبرة كبيرة في أسس وقواعد الترميم، وفي هذا الصدد يقول محيسن:" قديما كانت البيوت ترمم بشكل خاطئ وبأدوات غير مناسبة، وذلك بسبب قلة الخبرة وغياب الرقابة، أما في الوقت الحالي فأصبح العمال أصحاب خبرة كبيرة في ترميم وإعادة تأهيل هذه البيوت نتيجة للرقابة المشددة والإشراف المتواصل على عملهم داخلها، والتي بدورها خرجت كادراً بشرياً مختصاً في هذا المجال".
وفي سياق متصل كشف مدير مركز إيوان عن شروع المركز في القريب العاجل، بترميم دير مسيحي في غزة يسمى "تل أم عامر"، وذلك بالتعاون مع وزارة السياحة وبالشراكة مع جهات أجنبية ممولة للمشروع، مؤكداً في الوقت ذاته وجود تواصل مستمر مع الوزارة من خلال إقامة العديد من المشاريع الهادفة للحفاظ على التراث الفلسطيني.
قنوات تواصل
وفي إطار الجهود المتواصلة من قبل الحكومة للنهوض بالقطاع السياحي والحفاظ على المواقع الأثرية، كشف محمد خلة مدير عام وزارة السياحة عن وضع الوزارة لخطة إستراتيجية لترميم وتأهيل هذه المواقع، وجعلها مزاراً للجمهور الفلسطيني، مشيراً إلى أن المدة الزمنية للخطة تصل إلى 10 سنوات قادمة.
وأوضح خلة في حديثه لـ"الرسالة نت" أن الوزارة تشرع حالياً في إعادة تأهيل قلعة برقوق في خانيونس جنوب قطاع غزة، وتحويل قصر الباشا شرق غزة إلى متحف آثري للزوار والسائحين.
وقال " الوزارة مستمرة في مشروع التنقيب في "تل الرفح" في مدينة رفح الجنوبية ، لافتاً إلى أن المشروع بدأ يحقق إنجازاً ملموساً، وذلك ببداية ظهور بعض الأبنية القديمة التي تعود للعهد اليوناني.
وأشار خلة إلى أن الوزارة بذلت جهداً كبيراً لفتح قنوات تواصل مع جهات خارجية لتشجيع السياحة الغزية ، مستدركاً:" واجهنا صعوبة في التواصل بفعل الحصار المتواصل على القطاع، إلا أن بعض المحاولات حققت نتائج مبهرة تمثلت في قيام جهات خارجية بإعادة تأهيل بعض الأماكن الأثرية".
وفيما يتعلق بالمعوقات التي تواجه " السياحة" في الرقي بهذه المواقع، نوه مدير عام الوزارة إلى أنهم لا تستطيعون فتح ملف البيوت الأثرية بسبب قضية الوراثة بين أصحاب هذه البيوت.
وكشف عن قيام د. محمد الأغا وزير السياحة بطرح خطة بديلة لمواجهة هذه العقبة، من خلال استبدال البيوت الأثرية بأراضٍ حكومية، إلا أن الخطة لم تلقى ترحيباً من أصحابها، لافتاً إلى أن الوزارة مستمرة في محاولاتها للتنسيق مع أصحاب البيوت لإعادة ترميمها.
وكان الأغا قد أعلن خلال جولة تفقدية للمواقع الأثرية البدء بتنفيذ مشاريع تنقيب وإعادة تأهيل لتلك المواقع، وأكد أن وزارته ورغم قلة الإمكانات وشح المواد اللازمة لإعادة تأهيل المواقع الأثرية إلا أنها قامت بإعادة استخدام المواد القليلة المتوفرة والمتواضعة للحفاظ على تاريخ وحضارة الشعب الفلسطيني.
وأشار إلى أن الوزارة تسعى لجعل المواقع الأثرية مزاراً لجميع المواطنين والمهتمين بالقطاع الأثري بهدف ترسيخ الحضارة والتاريخ الإسلامي والفلسطيني في أذهان المواطنين ، لافتاً أن ذلك يأتي في ظل مساعي الاحتلال المتواصلة لطمس هذه الحقائق التاريخية للشعب الفلسطيني وادعاء حضارة كاذبة.
وفي هذا الصدد أفاد محمد خلة بأن وزارة السياحة ستقدم في القريب العاجل تقريراً مفصلاً لمجلس الوزراء الفلسطيني عن قرية برقون بخانيونس لتقديم الدعم الكامل لها لترميمها وإعادة تأهيلها مرة أخري.
ويبقي مستقبل المواقع الأثرية بغزة رهن النوايا الحسنة من القائمين على حمايتها، للمساهمة في الحفاظ على هوية وتاريخ الشعب الفلسطيني.