قبل 32 عامًا تلى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وثيقة الاستقلال ضمن فعاليات الدورة الـ19 للمجلس الوطني على أرض الجزائر، ليعلن عبرها قبوله بدولة فلسطينية مستقلة وفق القرار الأممي 147.
الإعلان عن الدولة أعقب مسار النقاط العشر الذي تبناه المجلس بالإجماع عام 1974، وعدّ بداية لمسلسل الانخراط في العملية السياسية والتراجع عن خط الكفاح المسلح، ما أثار في حينه لغطًا وجدلا كبيرا بين أوساط السياسيين، وجدوا في الخطوة بداية لعصر سياسي مختلف في مسار الثورة.
بعيد الإعلان، انخرطت القيادة الفلسطينية بشكل فعلي في مسار التفاهمات المعلنة وغير المعلنة بعد عامين فقط، تجسدت عبر لقاءات مدريد بالتزامن مع لقاءات غير معلنة انضجت بعد خمسة سنوات من إعلان الوثيقة عن ميلاد اتفاق أوسلو عام 1993م.
الاتفاق السياسي عززّ من شكوك الأوساط السياسية التي أبدت تحفظا على مسار الإعلان، خاصة مع بنوده التي مثلت تلميحا لإمكانية القبول بمسار سياسي يحتفظ بالتفاوض مع الاحتلال على أساس حل الدولتين.
ثم مع مضي المراحل السياسية، شهد الوضع الفلسطيني في حقبه اللاحقة للاتفاق مجموعة متغيرات سياسية أفضت لتساؤل مهم حول مسارات الدولة وإمكانية الوصول لبنائها؟!
من الدولة للسلطة!
أنضج الاتفاق السياسي المبرم في أوسلو الوصول لتشكيل سلطة فلسطينية من غزة إلى اريحا، بحسب ما اعترف به اصطلاحا آنذاك مسمى الاتفاق، سلطة شكلت سقفا سياسيا لطموحات الفريق السياسي المعلن لقيام الدولة.
السقف السياسي حددّ بزمن خمسة سنوات للوصول الى دولة متكاملة السيادة "حدودا وأرضا وسماء"، بيد أن مفاوضات الحل النهائي ما لبثت ان انتكست، متزامنة مع تدهور أمني وسياسي دفع باندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000 واستمرت لخمسة سنوات.
وأعلن مسؤول ملف المفاوضات الراحل د. صائب عريقات، أكثر من مرة أن (إسرائيل) تريد تحويل الوظيفة السياسية للسلطة إلى وظيفة امنية فقط، وهكذا تقلص الحلم من الدولة لسلطة مقيدة بالصلاحيات، بحسب قيادات وازنة في السلطة بمقدمتها الرئيس، الذي اشتكى أكثر من مرة عن محدودية الصلاحيات التي بين يديه.
** من السلطة للمنسق!
وبعد وصول رئيس السلطة محمود عباس إلى سدة الرئاسة، تقلص الحلم مجددا، من سلطة مقيدة الصلاحيات إلى أخرى منزوعة ومأمورة بسقف المنسق العسكري الحاكم بالضفة المحتلة، ليس أدل عليها ما ظهر بعيد الإعلان عن تجميد الاتفاقات.
المستشار السياسي السابق للرئيس عرفات، د. بسام أبو شريف، يشير إلى أن السلطة اليوم باتت في حكم العدم، فهي لا تحكم على شيء الآن.
كما ظهر أكثر من صوت سياسي يعزز من هذا المسار، من بينهم ربحي حلوم السفير السابق وعضو المجلس السابق لثوري لفتح.
وأصبحت السلطة تدار بين شقين أمنى وآخر مدني، يتولى مسؤولية الشق الأول ماجد فرج المعروف بدور الرعاية الامريكية له ولسلطاته، إلى جانب حسين الشيخ المعروف بمسؤوليته في جانب التنسيق المدني.
الاثنان شكلا إلى جوار بضع شخصيات تحيط بعباس مطبخا سياسيا يدير النظام السياسي وفق صلاحيات لخصها الرئيس عباس" أنا أعيش تحت بساطير الاحتلال".
** من المنسق للحل!
وعلى ضوء غياب صلاحيات السلطة، برزت دعوات كثيرة لحلها، تجسدت في قرارات المجلسين المركزي والوطني، إذ أكدا على ضرورة تعليق الاعتراف بأوسلو والغاءه مع الغاء كل الاتفاقات مع الاحتلال.
بالتوازي، دعت شخصيات قيادية عديدة لإعادة النظر في الوظيفة السياسية للسلطة، كان آخرها ما تقدم به خالد مشعل الرئيس السابق لحركة حماس في رؤيته السياسية حول الوظيفة السياسية للسلطة.
اغراق الازمات
وللتغطية على اخفاقه في مسار الإعلان عن الدولة، تعمد فريق السلطة إلى اغراق القضية الفلسطينية بعديد الازمات الداخلية أولها تعزيز الانقسام الداخلي، ثم ولوجا بانقسام فتحاوي جاد، وليس أخيرا الصراع حول وراثة منصب عباس.
كما قيدت السلطة من الحالة النضالية في الضفة ونشطت في الوظيفة الأمنية التي قيدت الفعل المقاوم، بحسب احمد المدلل القيادي بحركة الجهاد.
ويشير المدلل إلى أن اغراق السلطة للقطاع في أزماته الاقتصادية ضمن منظومة العقوبات المفروضة عليه له أهداف سياسية.
وعندما انكشف الرئيس عربيا حاول الاحتماء بملف المصالحة ثم ما لبث ان انقلب عليه، وفق المدلل.