قصاصة ورق من ضابط في جيش الاحتلال يشغل منصب منسق شؤون الأعمال الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية كانت كفيلة بأن تعلن سلطة حركة فتح في رام الله عن انتصار تاريخي يتمثل بعودة اتصالاتها مع الاحتلال الإسرائيلي.
وبرغم أن سلطة فتح أعلت سقف التوقعات لدى الشعب الفلسطيني ومن قبله الفصائل، بأنها ماضية في طريق التغيير الجوهري في العلاقة مع الاحتلال، وأثبتت ذلك بدخولها مسار المصالحة مرة أخرى، إلا أن هذا السقف سقط سقوطا مدويًا أمس، في أعقاب قرار إعادة الاتصالات مع الاحتلال.
وهذا التراجع في الموقف الوطني لسلطة حركة فتح من المفترض أن يكون لأسباب وطنية عليا، أو لإنجاز سياسي قد حصل، وعليه قررت إعادة العلاقات، إلا أن شكل عودة العلاقات وطريقة التراجع توحي بأن شيئا لم يتحقق على أرض الواقع، وأن الاحتلال الإسرائيلي لم يتراجع عن أي خطوة نفذها خلال الأشهر الماضية.
وعلى ما سبق نستشهد بالتصريح الشهير لرئيس حكومة رام الله محمد اشتية الذي قال فيه "تريدون وطن أكثر أم أموال أكثر"، في إشارة إلى أن قرار قطع الاتصالات ووقف استلام المقاصة كان لأسباب وطنية بحتة، وللحفاظ على القضية الفلسطينية، وتحمل الأعباء الناجمة عنه في سبيل تلك الأسباب، في حين أن التراجع عن القرار كان لأسباب قد تكون شخصية واقتصادية أكثر بكثير من كونها وطنية.
وفي التفاصيل، أعلنت السلطة أمس الثلاثاء أن مسار العلاقة مع (إسرائيل) سيعود كما كان، وذلك بعد نحو 6 أشهر من إعلان وقف العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية. ويأتي هذا الإعلان قبيل زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى (إسرائيل).
وقال اشتية "وصلتنا ورقة من (إسرائيل) تتعهد فيها بالالتزام بالاتفاقات معنا، ردا على مبادرة من جانبنا، وعليه نعلن استئناف الاتصالات"، وأضاف أن السلام مع الفلسطينيين هو ما سيريح (إسرائيل) بغض عن النظر عمن سيقوم بالتطبيع معها.
من جهته، قال وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ -على موقع تويتر- "على ضوء الاتصالات التي قام بها الرئيس محمود عباس بشأن التزام (إسرائيل) بالاتفاقيات الموقعة معنا، واستنادا إلى ما وردنا من رسائل رسمية مكتوبه وشفوية بما يؤكد التزام (إسرائيل) بذلك، وعليه سيعود مسار العلاقة مع (إسرائيل) كما كان".
ولم يقدّم الشيخ المزيد من التفاصيل، علما بأن عباس أعلن في مايو/أيار الماضي وقف العمل بالاتفاقيات مع (إسرائيل)، ردا على مخططها في حينه لضم أجزاء من الضفة الغربية، والذي تم تعليقه لاحقا، فيما تضمّن القرار الفلسطيني وقف التنسيق الأمني والمدني مع (إسرائيل)، وعدم استلام أموال عائدات الضرائب الفلسطينية التي تشكل نحو ثلثي موازنة السلطة؛ مما سبب عجزا كبيرا لها.
وثمة من يتساءل عن حجم الضرر الذي أصاب قيادات سلطة حركة فتح نتيجة قطع الاتصالات ووقف استلام المقاصة على مدار الأشهر الستة الماضية، وإجابة السؤال تتمثل في الفائدة العائدة على نفس الأشخاص في حال عودة الاتصالات والمقاصة، فكما لا يخفى على أحد أن الكثير من المصالح الاقتصادية والخاصة تجمع مسؤولين بسلطة فتح مع الاحتلال الإسرائيلي.
وما يؤكد ما سبق، أن خسائر قرار السلطة بعودة العلاقات على الصعيد الوطني أكثر بكثير من فوائده، فهي بذلك تسد باب المصالحة والوحدة الوطنية مرة جديدة، في ظل هذا التوقيت الحساس، وكذلك تعطي ورقة براءة للمطبعين مع الاحتلال أخيرًا، بالإضافة إلى أنها تشرعن كل ما قام به الاحتلال خلال الفترة الماضية في ملفات الاستيطان والتهويد وغيرها.
وفي التعقيب على ذلك، يقول الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل إن الدافع وراء إعادة العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي في هذا التوقيت وبهذه الطريقة، قائم على أساس وجود ظرف سياسي جديد يتمثل في فوز جو بايدن ترى فيه السلطة فرصة سانحة لتغيير الوضع الراهن.
وأضاف عوكل في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن السلطة لم تغادر مربع المراهنة على المفاوضات على أساس حل الدولتين، وترى أنها تتوافق مع رؤية بايدن حول حل القضية الفلسطينية، وبالتالي تبعث بهذا الإجراء رسالة إيجابية إلى إدارة الرئيس بايدن.
وأوضح أن السلطة أمام حالة الصلف الإسرائيلي فإنها لن تحصل على شيء سوى أموال المقاصة، في حين أن (إسرائيل) ستتنعم بالتنسيق الأمني وعودة العلاقات كافة والاتفاقيات التي كان معمولا بها في وقت سابق، وهي كلها خيارات سياسية تؤكد التزام السلطة بنهج التفاوض الذي أثبت فشله.