قائد الطوفان قائد الطوفان

الحرب على الماء: شقاء الفلسطينيين المستمر في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني

الكاتبة
الكاتبة

د. نور عائشة حنيفة

مصطلح الصراع العربي-الإسرائيلي مصطلحٌ شاملٌ يصف مجموعة من الصراعات التي حدثت وتحدث بين إسرائيل والعرب، وعادةً ما نُخطئ في فهم الصراع العربي-الإسرائيلي على أنه صراع حول المنطقة بينما في الحقيقة هو صراع حول الأرض، والحرب على الماء أمرٌ يغيب عن المجتمع الدولي عادة، فالحرب الأولى بين العرب وإسرائيل حدثت عام 1948، بعد إعلان إسرائيل دولتها في 15 – مايو – 1948، ثم حرب العدوان الثلاثي عام 1956 وحرب الأيام الستة في 1967، جميعها كانت حروبًا على الماء. أقرت منظمة العفو الدولية قائلةً "إن الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ خمسين سنة للمناطق الفلسطينية انتهاكٌ ممنهجٌ لحقوق الإنسان على نطاقٍ واسعٍ". منذ 1967 فرضت سلطات الجيش الإسرائيلي سيطرتها على جميع مصادر الماء والماء المتعلق بالبنية التحتية في المناطق الفلسطينية المحتلة (منظمة العفو الدولية، 29 نوفمبر 2017).
إن أزمة الماء بين الدول قد تؤدي إلى أزمة أكبر وإلى اندلاع الحروب في النظام الدولي، فتوفر الماء بنسبة كافية أمرٌ ضروري للحفاظ على أمن الدولة، ولضمان بقائها. تحتاج الدول إلى الأمن المائي للحفاظ على أمنها الوطني. إن غاب الأمن المائي فستواجه الدول أزمات تتعلق بالأمن البشري والأمن الغذائي والأمن الاقتصادي، بل قد يؤدي غياب الأمن المائي إلى انهيار الدولة على المدى البعيد؛ وتتضمن مصادر الماء الأنهار والمنابع والبحيرات والسلاسل الجبلية وجميعها تلعب دورًا هاما في نظام توفير الماء. وتشتعل الأزمات بين الدول بسبب ندرة الماء، وتدخل الدول في صراعٍ ومنافسة حول من يسيطر على النظام المائي، وكان هذا السبب الذي أشعل الحرب بين إسرائيل والعرب في حرب الأيام الستة عام 1967.
وهذه الحرب مثال على الحروب التي تندلع بسبب تأمين الماء وملكية المنابع، فبدأت الحرب عندما حوّلت الأردن مسار جزءٍ من نهر اليرموك عام 1951. فردت إسرائيل على ذلك ببناء الناقل الوطني للمياه (NWC) عام 1953، مما أدى إلى خلق أزمةٍ بين إسرائيل وسوريا. بعد عامين في 1955، تم تطبيق خطة جونستون من أجل تخصيص الماء؛ وتبعًا لهذه الخطة تهذب حوالي 55% من ماء نهر الأردن إلى الأردن، و36% إلى إسرائيل، و9% لسوريا ولبنان. ولكن في عام 1964 افتتحت إسرائيل الناقل الوطني للمياه، وحولت الماء النابع من نهر الأردن، ولهذا عقدت القمة العربية عام 1964، وتم وضع خطة لتحويل ماء نهر الأردن إلى سوريا والأردن، فبدأت إسرائيل بالهجوم على المشروع مما أدى إلى اندلاع حرب الأيام الستة في 1967. دمرت إسرائيل مشروع التحويل السوري كليا، وفرضت سيطرتها على مرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء والضفة الغربية.
تستخدم إسرائيل مجموعة من الاستراتيجيات ضد الفلسطينيين، ومن ضمنها الماء، فمن خلال السيطرة على الماء تقرر إسرائيل إضعاف الشعب الفلسطيني وتقتل حلمهم في بناء دولة. في تقرير لبتسليم (11 نوفمبر 2017) تقول بأن إسرائيل بدأت في السيطرة على جميع مصادر الماء في المناطق المحتلة منذ 1967. واصدرت القرار العسكري رقم 158، الذي بموجبه يُمنع الفلسطينيون من بناء أي منشأة مائية أو عمل تركيبات للشبكة المائية دون الحصول على إذن من الجيش الإسرائيلي. تفرض إسرائيل سيطرتها على جميع المصادر المائية بين نهر الأردن والبحر المتوسط منذ 1967؛ ما عدا المياه الجوفية الساحلية التي تسير في قطاع غزة. تتجاهل إٍسرائيل احتياجات الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. يؤثر نقص الماء تأثيرًا كبيرًا على حياة الفلسطينيين، بل أزمة الماء أسوأ في قطاع غزة الذي يعاني من الحصار الإسرائيلي لما يزيد عن عشر سنوات؛ فالإمدادات المائية في غزة غير كافية وغير صالحة للشرب.
تفرض إسرائيل سيطرتها على جميع مصادر الماء في الضفة الغربية من ضمن اتفاقات أوسلو الموقعة عام 1995، ولا يزال هذا الاتفاق ساري المفعول في الضفة، وتبعا له فإن الماء الذي يُضخ من المياه الجوفية الجبلية هو مصدر مشترك بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فيذهب 80% من الماء إلى الاستخدام الإسرائيلي و 20% إلى الاستخدام الفلسطيني، وهذا الاتفاق بالطبع اتفاق غير عادل، وذلك لأنه يقدم للإسرائيليين مصدرًا غير محدودٍ للماء، وعلى النقيض إمدادات الماء التي تصل إلى الفلسطينيين محدودة. يحصل الفلسطينيون على سعةٍ محددة من الماء، وهي حوالي 118 مليون متر مكعب من الماء من الآبار المحفورة و70-80 مليون متر مكعب من الآبار الجديدة، وينص الاتفاق أيضًا على إعطاء إسرائيل الحق في بيع الماء للفلسطينيين، فتبيع لهم حوالي 31 مليون متر مكعب في السنة. يختلفُ الأمر في الحقيقة، فيشتري الفلسطينيون مزيدًا من الماء المحدد لهم، وأظهرت إحصائيات سلطة المياه الفلسطينية أن السلطة الفلسطينية تشتري 63.8 متر مكعب إضافي

من Mekorot (وهي شركة ماء إسرائيلية محلية) لاستخدام الضفة الغربية. ووجدت منظمة العفو الدولية أن Mekorot أغرقت آبار وينابيع قصدًا في الضفة الغربية كي يشتري السكان منها، وكذلك الذين يعيشون في المستوطنات غير القانونية، فيشترون منها لاستخدامات مختلفة استخدامات منزلية وزراعية واقتصادية. يستمتع المستوطنون بسهولة الحصول على الماء، بل تحتوي مستوطناتهم على مرافق للسباحة، بينما لا يحصل الفلسطينيون على كفايتهم من الماء.
ومن سياسات إسرائيل ضد الفلسطينيين صنعهم من الحصول على الماء الكافي، فيواجه الفلسطينيون مشاكل تقنية متعلقة بالآبار المحفورة حديثا، وتتعمد إسرائيل عرقلة الفلسطينيين، من خلال تأجيل قبول المشاريع لفتراتٍ طويلة، فترفض إسرائيل منح التصاريح لإصلاح أنابيب البنية التحتية في الضفة الغربية. حوالي ثلث الماء الذي تحصل عليه السلطة يتسرب من الأنابيب، وتستمر إسرائيل في رفض مقترحات السلطة بما يتعلق بإصلاح نظام الأنابيب في شبكة المنطقة ج، وتجبر إسرائيل المجتمعات الفلسطينية التي تعيش في المنطقة ج على شراء الماء من الصهاريج بأسعار مرتفعة تتراوح بين 4-10$ لكل متر مكعب؛ وتزيد السلطات الإسرائيلية والمستوطنون الظروف سوءًا بالسيطرة على المصادر المائية الطبيعية التي يمتلكها الفلسطينيون، ويدمرون صهاريج المياه، والمسابح المملوءة بماء الينابيع؛ وعادةً ما يمنعون وصول الفلسطينيين إلى مصادر الماء الطبيعية.
إن أزمة الماء في قطاع غزة أسوأ بكثير، فقد دمّرت إسرائيل ماء غزة والبنية التحتية لمياه الصرف الصحي في حربي 2008 و 2014. ومنذ عام 2015 لا يحصل 100,000 فلسطيني في غزة على الماء من الشبكة العامة. ويعتمد معظم الغزيين على المياه الجوفية الساحلية في حصولهم على الماء، ولكن هذه المياه تلوثت إثر مياه الصرف الصحي التي تُضخ فيها. وأشارت بتسليم (11 نوفمبر 2017) في تقرير لها أن 97% من الماء الذي يُضخ إلى غزة من المياه الجوفية لا يصلح للشرب، ونظام المياه الجوفية على وشك الانهيار في غزة. يضطر الغزيون إلى شراء الماء المحلى من الباعة، وحوالي 68% من الماء المعالج ملوث أيضا. بالإضافة إلى ذلك، فإن 40% من إمدادات الماء المُجهزة للاستخدام المنزلي تتسرب بسبب البنية التحتية القديمة والتالفة.
الحق في الحصول على الماء ونظام صرف صحي سليم من الحقوق التي يكفلها القانون الدولي، وإسرائيل كاحتلال يجب أن تضمن إمداد الناس في المناطق المحتلة بماء كافٍ؛ ولكن إسرائيل غالبا تخرق القوانين الدولية من أجل تنفيذ سياساتها الشرسة ضد الفلسطينيين؛ وسياسة الماء هي سياسة ذكية تنفذها إسرائيل من أجل طرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة. يعاني الفلسطينيون من ظروف حياة صعبة في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وتتراجع مصادر دخلهم باستمرار، خصوصا المصادر المعتمدة على الإنتاج الزراعي في المناطق الفلسطينية المحتلة في وادي الأردن. فعليهم التوقف عن زرع الحمضيات بسبب النقص في الماء، وعليهم زرع الخيار والكوسا والقرع فقط لأنها مزروعات لا تحتاج إلى الكثير من الماء؛ أما المستوطنون الإسرائيليون فقد نجحوا في زراعة العنب وفي فلاحة المناطق الفلسطينية المحتلة.
من خلال هذه الاستراتيجية، تمكنت إسرائيل من تحقيق أهدافها المحلية من خلال سياسة المنطقة، فلا تحتاج إسرائيل إلى قوة عسكرية لقتال الفلسطينيين، فالماء أصبح سلاحا فعالا في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، واعتداءً ممنهجًا على مصادر دخل الفلسطينيين.
لا يمتلك القانون الدولي أو المؤسسات الليبرالية السلطة على إسرائيل، فتستمر معاناة الفلسطينيين في ظل قوة وظروف غير متكافئة؛ لا يُمكن لإسرائيل أن تتوقع السلام من الفلسطينيين وذلك لأنها تتلاعب في أساس حياتهم ووجودهم، إن السياسات الإسرائيلية تدفع الفلسطينيين بعيدًا عن عملية السلام؛ وبعض الفلسطينيين قد يصيروا تهديدًا لإسرائيل لأنها فرضت عليهم ظروفًا صعبة؛ وهذا أساس من أساسيات علم النفس الذي تتجاهله إسرائيل دائمًا ثم تتوجه باتهاماتها نحو الفلسطينيين. إن أرادات فلسطين أن تنهي العنف والإرهاب عليها أن تقدم للفلسطينيين حقوقهم المكفولة.

د. نور عائشة حنيفة

محاضر أول قسم الدراسات الاستراتيجية – جامعة الدفاع الوطني ماليزيا
ترجمة مركز المبادرة الاستراتيجية فلسطين ماليزيا

البث المباشر