تضيق مسارات العمل السياسي في وجه حركة حماس والفصائل الفلسطينية، خاصة بعدما وصفت حماس إعادة فتح لعلاقاتها مع الاحتلال والتنسيق الأمني بـ"الطعنة"، رغم أن الصحافة الإسرائيلية تقول أن التنسيق لم يتوقف مطلقاً.
الأفق الذي فتحته جهود استئناف المصالحة واللغة الجديدة التي حملها جبريل رجوب بعدما حصل على ضوء أخضر من الرئيس محمود عباس للتوصل إلى اتفاقات مع حماس والفصائل، سرعان ما أغلق وعادت الأمور إلى المربع الأول بعد الضربة التي وجهتها السلطة لتلك الجهود.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يعود فيها ملف المصالحة إلى المربع الأول، خاصة أن تعامل السلطة معه كان دائما تكتيكيا مؤقتا، ونتيجة تدهور العلاقات مع الجانب الإسرائيلي او الأمريكي، لكن خطورة المرحلة وحساسية الوضع الفلسطيني الذي يمر بأسوأ مراحله على الاطلاق تتطلب تحركات ومنطلقات جديدة للعمل وهذا ما يشكل تحديا حقيقيا أمام حركة حماس وباقي الفصائل في تجميع خياراتها بعد موقف السلطة الأخير.
وربما تجد حماس نفسها أمام أربعة خيارات للرد على موقف السلطة:
الأول: تحالف فصائلي لمواجهة السلطة:
صحيح أن هذا التحالف فشل سابقاً ولم يتمكن من أن يكون جبهة ضاغطة على السلطة، ولكنه خيار متاح ويمكن العمل على تطويره، مع وجود حالة اجماع فصائلي على رفض موقف السلطة التي حسمت خيارها في التعامل مع الاحتلال كشريك لا غنى عنه.
من ناحية أخرى فإن ما عزز توجه بعض الفصائل والشركاء التاريخيين لفتح في المنظمة والعمل السياسي هو طريقة إدارة الأخيرة للمشهد الفلسطيني وتجاهل تاريخ ووجود باقي الفصائل مثل الجبهتين ما دفعهما لمقاطعة اجتماعات المركزي والوطني.
ورغم استدارة السلطة نحو الاحتلال، إلا أن هذه الخطوة من المفترض أن تشكل نقطة انطلاق لدى الفصائل وتشكيل موقف حاسم يدفعها لاستثمار جهودها بشكل أفضل.
الثاني: تعزيز المقاومة الشعبية والميدانية:
وهو عمل تؤمن به وتُجمع عليه كل الفصائل بما فيها حركة فتح، وقد تجد حماس نفسها مضطرة مجدداً للعمل الشعبي بعيداً عن فتح التي تتغنى بالمقاومة الشعبية وتقمعها على الأرض.
فخلال الشهور التي تلت الإعلان عن صفقة القرن ونقل السفارة لم نشهد أي حراك جماهيري حقيقي أو نضال شعبي يمكن البناء عليه في الضفة الغربية المكبلة بقيود الأمن الفلسطيني قبل الإسرائيلي.
وكانت المقاومة الشعبية إحدى النقاط الأساسية التي تم التوافق عليها بين الكل الفلسطيني بما فيها حركة فتح، لكن تبقى علمية التطبيق صعبة ومعقدة في ظل الحالة الميدانية في الضفة، والتجربة أثبتت أنه يمكن الاعتماد على الجماهير الفلسطينية رغم ما تعانيه من أوضاع كارثية.
الثالث: حلول منفردة لغزة:
سياسة السلطة تجاه غزة طوال سنوات الانقسام كانت تدفعها نحو الخلاص الذاتي والبحث عن حلول منفردة تحاول انقاذ القطاع من الآثار المدمرة للحصار المستمر منذ العام 2006.
وشهدت السنوات الأخيرة تفاهمات تثبيت وقف إطلاق النار بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي بوساطة مصرية وقطرية، شكلت عاملا مهما في استقرار نسبي للأوضاع في القطاع ومنع تدهورها والانجرار لمواجهة عسكرية لا ترغب بها جميع الأطراف.
ويبدو أن التحول الأخير في المشهد الفلسطيني، رغم أنه لم يكن مفاجئا، سيدفع نحو تعزيز رؤية تقضي بضرورة التوصل لحلول منفردة لغزة تساهم في رفع الحصار عنها، أي ترتيبات دائمة مع الاحتلال عبر وسطاء أو هدنة طويلة.
الرابع: المصالحة:
تبقى المصالحة باقية كخيار لدى حماس وباقي الفصائل رغم ضعفه وصعوبة تجاوزه وزيادة تعقيداته مع مرور السنين، لكن لا يمكن التخلي عنه فهو الأساس لتشكيل انطلاقة حقيقية في البيئة الفلسطينية، ولا يمكن اغلاق الباب أمام هذا الخيار ويجب استثمار أي ظرف سياسي قد يسمح بالتقدم فيه.