مرة أخرى دماء على الأسفلت، صورةٌ لشابٍ وصلتنا بجانب حاجز الزعيم العسكري شرق القدس المحتلة، نبضٌ أخير لجرح نازف دون اسعاف، حكاية إعدام بدم بارد، لقد انطفأ النور عن سلوان!
أنفاسٌ متقطعة انتشر إثرها خبر استشهاد الشاب نور شقير 33 عامًا، من سكان حي وادي الربابة في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، متأثراً بإصابته برصاص قوات الاحتلال على الحاجز!
صورة ورصاص!
في كل مرة ترتوي منها الأرض بدماء أبنائها، تبقى صورة واحدة عالقة في أذهاننا لجسد الشهيد يحتضن فيها دمه والأرض معًا، ولكن، ما علق في ذاكرة والد نور هي مركبته التي اخترقتها عشرات الرصاصات ورجفة قلبه أن نور ليس بخير!
لهفة الأب وخطواته المسرعة نحو الحاجز كانت مباشرة بعد انتشار صور ومقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لاستهداف شاب هناك.
كل ما رآه ذاك الأب هو سيارة على الجانب الآخر تشبه سيارة ابنه، وهناك تأكد من ذلك، إلا أن قلبه لم يطمئن لاسيما بعد تضارب الأنباء وتكتم جنود الاحتلال، ورفضهم إبلاغه إن كانت حالة نور حرجة أو بسيطة.
تهربٌ من الإجابة حتى اعلان المشفى التي نقل لها نور بأنه استشهد، لم يكتف المحتل بهذه الجريمة، بل توجهوا لبيت نور في حي واد الربابة ببلدة سلوان لحسرة قلب جديدة.
ابتسامة الشهيد كانت حاضرة على جدران منزله، عادة ما تقهر ابتسامة الشهداء جيش الاحتلال، وتثير غضبه، حيث قامت قوات الاحتلال بإزالة وجه نور المبتسم هناك، وبقيت لأمه حسرة جديدة!
وكانت قوات الاحتلال قد داهمت محيط منزل الشهيد لأكثر من مرة، محذرة والده من رفع أعلام أو يافطات لابنه.
نور في الثلاجة!
لم تنته الحكاية هنا، غاب النور عن منزل عائلة شقير، وبقيت نار الفقد، وانتظار الجثمان، وحدهم أهالي الشهداء يدركون معنى انتظار قالب ثلجي، قد يعود لهم يومًا لدفنه في باطن الأرض، وحدهم يعلمون قائمة الجثامين المحتجزة منذ انتفاضة القدس عام 2015 التي وصلت لــ70 جثمانًا!
مئات من الشهداء تحتجز جثامينهم منذ عشرات السنين فيما تسمى بمقابر الأرقام، وآخرون غيرهم لا يعرف مصيرهم، الحسرة واحدة في بيت نور وبيت كل من ينتظر جثمان ابنه كما عائلة شقير في القدس!
بقي الحاجز هناك، وغيرها العشرات من الحواجز العسكرية التي تحولت لمصائد لاعتقال الشبان الفلسطينيين واذلالهم، فعلى رأسه يقف قناصة المحتل، ينتظرون ضحية جديدة، يتلذذون بقتل بارد يشفي حقد قلوبهم، ثم تكون الحجة جاهزة كما أعلنوا عند قتلهم الشاب نور "محاولة تنفيذه عملية دهس على الحاجز"!