أقيمت في طهران جنازة رسمية للعالم النووي محسن فخري زاده بحضور عدد محدود من كبار القادة العسكريين والسياسيين، دون مشاركة جماهيرية بسبب الإجراءات الصحية المرتبطة بجائحة كورونا، في حين تواصل وسائل إعلام إيرانية نشر تفاصيل عن عملية اغتياله نقلا عن المصادر الرسمية.
وخلال المراسم -التي أقيمت صباح اليوم الاثنين في وزارة الدفاع- قال وزير الدفاع أمير حاتمي إن "ردنا على اغتيال فخري زاده قادم وحتمي، وسيكون عقابا قاسيا لمن ارتكب هذه الجريمة".
وأكد حاتمي أن اغتيال فخري زاده لن يوقف مسيرة برنامج إيران النووي، بل سيسرع وتيرته.
وقال مراسل الجزيرة نور الدين الدغير إن وزير الدفاع دعا وزارة المخابرات إلى العمل سريعا على اكتشاف خفايا الاغتيال وتفاصيله الدقيقة، إذ يفترض أن تحدد طهران على أساس تلك المعلومات ردها المزمع وطريقة تنفيذه.
وشارك في الجنازة -إلى جانب أسرة العالم الإيراني- وزير الدفاع أمير حاتمي، والقائد العام للحرس الثوري حسين سلامي، وقائد فيلق القدس في الحرس إسماعيل قاآني، ووزير المخابرات محمود علوي، ورئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي، وعدد من السياسيين والنواب في البرلمان.
وأمّ المشيعين في صلاة الجنازة ضياء الدين آقاجان بور ممثل المرشد الإيراني علي خامنئي، ثم نقل الجثمان إلى ضريح "إمام زاده صالح" شمالي طهران، حيث دفن إلى جانب عالمين نوويين آخرين تم اغتيالهما عامي 2010 و2011.
وأقيمت أمس الأحد مراسم لتكريم فخري زاده (63 عاما) الذي يوصف بأنه أبرز علماء إيران في الطاقة النووية، حيث جرى الطواف بجثمانه في مدينتي قم ومشهد ثم مرقد الإمام الخميني جنوب طهران.
وسائل جديدة ومعقدة
في غضون ذلك، أكد أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني اليوم أن "العدو استخدم طريقة وآليات تنفيذ جديدة ومعقدة في عملية الاغتيال، وهو ما كان سببا في نجاحها".
وذكر شمخاني أنه خلال الـ20 عاما الماضية تعرض فخري زاده لأكثر من عملية اغتيال فاشلة، مضيفا أن المخابرات الإيرانية قدمت تقارير دقيقة عن احتمال استهدافه "لكن محددات أخرى أدت لنجاح الاغتيال".
وفي وقت سابق، نشرت وكالة فارس شبه الرسمية للأنباء تفاصيل عن عملية اغتيال فخري زاده -التي وقعت يوم الجمعة الماضي- تتسق مع الرواية التي أعلنها عضو البرلمان فريدون عباسي الرئيس السابق لهيئة الطاقة الذرية الإيرانية.
اغتيال عن بعد
وقالت الوكالة إن العملية استغرقت قرابة 3 دقائق فقط، ولم يكن ثمة عنصر بشري في مكان الاغتيال، وتم إطلاق النار بأسلحة آلية جرى التحكم بها عن بعد.
وأوضحت أن فخري زاده وزوجته كانا داخل سيارة مصفحة بمرافقة 3 سيارات حراسة في طريق عند منطقة دماوند قرب العاصمة طهران صباح الجمعة.
وأضافت الوكالة أن إحدى سيارات الحراسة انفصلت عن الموكب على بعد كيلومترات من موقع الحادث بهدف التحقق ورصد أي حركة مريبة.
وأشارت إلى أن صوت بضع رصاصات استهدفت السيارة تسبب في إيقاف الموكب، حيث خرج فخري زاده من السيارة معتقدا على ما يبدو أن الصوت نتج عن اصطدام بعائق خارجي أو مشكلة في محرك السيارة.
وعقب نزوله من السيارة -وفقا لهذه الرواية- انطلق وابل من الرصاص من مدفع رشاش آلي يجري التحكم به عن بعد كان مثبتا على شاحنة صغيرة متوقفة على بعد 150 مترا، لتصيبه 3 رصاصات قطعت واحدة منها نخاعه الشوكي، وبعد لحظات انفجرت الشاحنة الصغيرة.
ونقل فخري زاده جريحا إلى مستوصف قريب، ومنه بطائرة مروحية إلى مستشفى في طهران حيث فارق الحياة.
وقالت وكالة فارس إن التحقيقات أظهرت أن صاحب الشاحنة المذكورة غادر البلاد بعد يوم من عملية الاغتيال، دون تسمية الجهة التي توجه إليها.
أسلحة إسرائيلية
في السياق نفسه، نقلت وسائل إعلام محلية أخرى أن الأسلحة المستخدمة في الاغتيال صناعة إسرائيلية، وتم التحكم بها بواسطة الأقمار الصناعية.
وقال تلفزيون "برس" الإيراني نقلا عن أحد المصادر إن "السلاح الذي انتشل من موقع العمل الإرهابي يحمل شعار ومواصفات الصناعة العسكرية الإسرائيلية".
وكان كبار القادة والساسة الإيرانيين قد أشاروا بأصابع الاتهام إلى إسرائيل، وتوعدوها برد "حاسم" و"محسوب".
وتحدث وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن وجود "مؤشرات جادة" لضلوع إسرائيل في اغتيال فخري زاده.
وكتب ظريف في تغريدة على تويتر باللغة الفرنسية أول أمس السبت أن "الإرهابيين اغتالوا عالما إيرانيا كبيرا، هذه العملية الجبانة -التي فيها مؤشرات جادة لضلوع إسرائيل- تدل على نزعة الحرب من منطلق العجز لدى مرتكبيها".
إسرائيل تحذر مواطنيها وسفاراتها
من جانبها، أوعزت وزارة الخارجية الإسرائيلية اليوم إلى كل سفاراتها وممثلياتها برفع درجة التأهب الأمني تحسبا لرد إيراني على اغتيال فخري زاده.
وقد التزم المسؤولون الإسرائيليون الصمت بشأن اغتيال العالم الإيراني، وأحجموا عن نفي أو تأكيد مسؤولية تل أبيب عن العملية.
وقال مراسل الجزيرة إن تل أبيب حذرت اليوم الإسرائيليين من السفر إلى الإمارات والبحرين خشية أن يكونوا هدفا لانتقام إيراني هناك.
وأصدرت إدارة محاربة الإرهاب في ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية تحذيرا بهذا الخصوص إثر حجز نحو 50 ألف إسرائيلي فنادق ورحلات إلى الإمارات لقضاء عطلة عيد الأنوار (حانوكا) فيها الشهر المقبل، فضلا عن مكوث مئات من الإسرائيليين فيها هذه الأيام.
يأتي ذلك وسط خطوات متسارعة لتعزيز العلاقات بين إسرائيل من جهة والإمارات والبحرين من جهة أخرى بعد توقيع اتفاقات للتطبيع منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، ويجري حاليا تسيير رحلات جوية وتفعيل العلاقات السياسة والتجارية بين تلك الأطراف.
المصدر : الجزيرة + وكالات + الصحافة الإيرانية