من باب ثلاجة الموتى ذي اللون الأزرق خرج جثمان الصغير علي أبو عليا، خفيف الحمل راكضا نحو المثوى الأخير، يحمله الهاتفون ولم يجدوا جملة تعبر عن واقعهم سوى: "مالنا غيرك يا الله"
في زمن أصبح الخروج إلى الشارع جرما.
خرج علي فرحا يريد مشاركة عائلته الاحتفال في يوم ميلاده، من أطلق الرصاصة على جسده الصغير وهو يلعب، لم يكن يعلم تمام العلم ما يدور في تلك اللحظة، من أين جاء الرصاص الذي يرشه الاحتلال، وكيف دخلت سيارات الاحتلال إلى رام الله، أو ليست منطقة تحكمها سلطة فلسطينية؟!
لم يخبروا عليا بالحكاية الحقيقية، بأن كل شيء في زمن المحتل يصبح ملكا له، ولأن لا أحد يرفع كلمة" لا" يستبيح المحتل أجساد الأطفال متى شاء.
الرصاصة استقرت في بطن علي، رصاصة متفجرة، تهتك الجسد بعدها سريعا، وهكذا أصبح علي رقما بين أرقام كثيرة، يسبقه شهيد ويتبعه شهيد.
وفي منزل علي اقتصر المشهد على أم مكلومة تدثرها النسوة بغطاء من صوف لتواجه برد قلبها، وتمسح دمعة ذرفت بصمت بالغ، قبل أن تمد كفها على الجثمان الصغير، وتنادي عليا بصوت خافت، ثم تلتزم الصمت.
بينما أنين جدته يعلو في فضاء الحزن مرددا: "الله يصبرك يا ستي، خدني على رام الله، وقعتي ما هي حياله، خدني يا ستي على المدينة، وقعتي والله مسكينة".
جريمة ليست الأولى، يصفها العالم بأنها بشعة، وصفها نيكولاس ميلادينوف منسق الأمم المتحدة لما يسمونه سلاما أيضا بالبشعة، ونددت السلطة الفلسطينية وهي تتفرج على دماء علي المتدفقة على الرصيف في يوم ميلاده، وقفزت كل الفصائل تنعي الطفل البريء الذي مات وهو يحلم بحفلة عيد ميلاده.
وليست الفصائل فقط، بل أن عليا الذي يدرس في الصف العاشر، نعته وزارة التربية والتعليم، ووزارة الخارجية والمغتربين التي اعتبرت موته جريمة بشعة.
أجل، موت الأطفال جريمة بشعة، لكن أطفال فلسطين تتسرب دماؤهم إلى الرمال، وتضيع أسماؤهم بين أوراق المنددين والمتحدثين وأصحاب المواقف السياسية الهشة.
وهكذا فإن بلدة المغير التي تعيش كابوس المواجهات منذ أن أقام الاحتلال حاجزه على أطرافها، ستظل تقدم الشهيد والمصاب طالما يقف جندي على بوابة الدخول والخروج يمسك برشاشه ليتحكم بحياة السكان هناك.
رئيس مجلس قروي المغير أمين أبو عليا، قال معلقا على ما حدث "إن قوات الاحتلال المتمركزة على الحاجز المقام على المدخل الشرقي للمغير استهدفت عددًا من الشبان والفتية خلال مواجهات اندلعت هناك، بالرصاص المعدني والرصاص الحي، ما أدى لإصابة الطفل علي بجروح بالرصاص الحي وأربعة آخرين بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط.
خرجت رام الله تهتف باسم الله غاضبة لا حيلة لها سوى الهتاف! ثم زف الشهيد بين غناء وترتيل، حتى يصعد إلى السماء ويلاقي ربه مبتهجا وهو لا يعلم ما الذي حدث، ربما كانت طريقة جديدة للاحتفال بعيد ميلاده؟!