أتاحت منصات الميديا الاجتماعية للأفراد التعبير عن هويّاتهم بأشكال مختلفة، مثل انتشار خاصيّة السلفي وهي تعبير عمّا يسمى "بالذاتية الجديدة"، كذلك أصبح الناس يستعرضون حياتهم بنوع من الشفافية المفرطة ويستخدمونها بطرق مزعجة، إذ لخّصت الباحثة البريطانية سونيا ليفينغستون Sonia Livingstone هذه الإشكالية بأن الميديا التقليدية مثّلت نافذة بالنسبة إلينا على العالم بينما أضحى الفايسبوك نافذة العالمّ على غرف نومنا باعتباره يتيح هامشًا لحرية للتعبير والدخول في الخصوصية والذاتية دون حدود، وهذه مقاربة تمكّكنا من القول بأنه حوّل النّاس العاديين إلى كُتّاب ومؤلفين يدوِّنون يومياتهم في قصصٍ يتابعها المئات والالاف.
والنتيجة تتماهى تلك الظاهرة مع مصطلح الصّحافة السّريعة Fast Journalism، التي لا تتوفر بها الكفاءات الصّحفية بالقدر الكافي بالإضافة إلى أن تجربتهم تركتز على الإنتاج الكمّي والفوريّ والسّبق لتحقيق التّنافس المحموم بين المواقع الإلكترونية الإخباريّة على المواد الاشهارية والإعلانية لكي تحقق أعلى نسبة من المتابعة وبأي وسيلة لتستقطب الإشهار من قبل المعلنين وهو ما يؤدي إلى إرتكاب الأخطاء المهنيّة. وفي هذا السياق تنبَّأ الباحث الأمريكي مايكل سشودسون Michael Schudson في كتابه The Power of News بأنه ستأتي فترة تفجِّرُ فيها التّكنولوجيا الصّحافة وأن الجميع سيتصوّر نفسه بأنه سيصبح صحفي ويكتب عموم النّاس المعلومات وينشرون الصور والفيديوهات وهم جالسين أمام شاشاتهم ويعقتدون بأنهم يمارسون مهنة الصحافة. وبعد فترة من الزّمان يختلط الحابل بالنابل وتنتشر أخبارًا منقوصة ومشوّهة تُوقِع الناس في فخ بناء أفكارهم وأراءهم على معلومات واهمة وغير رصينة. وهذا يؤدي إلى نفور المجتمع وحاجته بالرجوع من جديد لصحافة مهنية تُنتج أخبار موثوقة وتقدّم المعرفة وتنظّم النقاش العام وفق منهجية تحترم الأخلاقيات الصحفية وتسعى دائمًا إلى الحقيقة.
ختامًا، وفي ظل سيطرة الأنظمة السلطويّة على الإعلام يمكن اعتبار منصات الميديا الاجتماعيّة فضاءً لانبعاث مجال عام يقوم على النقاش والحوار الديمقراطي في قضايا المجتمع تُحترم فيه الأخلاقيات، ويُمكّن النّاس من نقد الصحفيين ومهنة الصّحافة لتطويرها. ونستنتج بانّها هدّدت المثقفين بسبب ظهور النشطاء وسمحت بظهور نوع جديد من المثقفين ينتجون آراءً، كذلك بتنا نلاحظ بأن الأكاديميين استبدلوا إنتاجهم البحثي والفكري بالكتابة على منصات الفايسبوك زد على ذلك انتشار فكرة المناضلين الرقميين ومصطلح الإعلام البديل الذي لم نرى أين هو! لأن السوق الافتراضية فتحت كل الابواب المُشرَّعة أمام الغوغائية الإلكترونية والإندفاعيين.