قبل 33 عاما، فجرت حادثة دهس مستوطنين عمالا فلسطينيين بمدينة جباليا شمال قطاع غزة، انتفاضة عارمة ضد الاحتلال الإسرائيلي، استمرت نحو ستة أعوام.
الحادث الذي وقع في الثامن من كانون أول/ ديسمبر 1987 وأسفر عن استشهاد 4 فلسطينيين، وما تبعه من أحداث، كان تعبيرا صارخا على شعور فلسطيني متنام بالاضطهاد والتنكيل والانتهاكات التي تقوم بها سلطات الاحتلال، وحرمانهم من أبسط الحقوق الحياتية، علاوة على ممارسات المستوطنين التي تصل لاستباحة دمائهم دون أدنى حساب.
حاولت سلطات الاحتلال منذ اللحظة الأولى للحادثة الالتفاف على الأسباب التي تقف وراءها عبر تصويرها على أنها حادثة دهس عرضية، ثم تطور الأمر للحديث عن أنها انتقام من قريب مستوطن تعرض للطعن في غزة، إلا أن تلك الأسباب لم تمنع انفجار الموقف وانطلاق الانتفاضة.
تطورت الأحداث في اليوم التالي التاسع من كانون أول/ ديسمبر بعد خروج الجنازات من جباليا، لتتحول إلى مواجهات واسعة مع قوات الاحتلال عبر الرشق بالحجارة، وتوالي سقوط إصابات وشهداء ما ساهم في اشتعال مناطق القطاع والضفة الغربية شيئا فشيئا.
وعلى الرغم من الاستنفار الإسرائيلي بعد اتساع رقعة المواجهات، إلا أن القيادات الإسرائيلية العسكرية حاولت التقليل من أهميتها وتوقعت انحسارها خلال فترة قصيرة، لكن ذلك لم يحصل، بل أصبحت الأحداث أكثر اشتعالا لتشمل جميع المناطق الفلسطينية.
تميزت الانتفاضة الأولى بلجوء الفلسطينيين إلى المواجهة مباشرة مع قوات الاحتلال عبر إلقاء الحجارة وقطع الطرق أمام قوات الاحتلال بالإطارات المشتعلة، والاعتماد على شل الحياة العامة والعصيان المدني والإضرابات عن العمل، وهو الأمر الذي استفز الاحتلال مرارا ودفع جنوده لخلع أقفال المحلات، وإجبار أصحابها بالقوة على العمل.
ومن أبرز تداعيات هذه الانتفاضة على الساحة الفلسطينية تغييرها للخارطة الحزبية، حيث دفعت باتجاه ظهور أحزاب جديدة من جهة، مثل تأسيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وإعادة إحياء الأحزاب التي تأسست في أوقات سابقة، وأبرزها حركة "فتح"، ومن التيار الإسلامي حركة الجهاد الإسلامي، والتيارات اليسارية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية.
وصدر أول بيان عن القوى الوطنية الفلسطينية في الثامن من كانون ثاني/ يناير 1988، دعا الشعب للمشاركة في فعاليات الانتفاضة والإضراب العام رفضا للاحتلال.
استمرت هذه الانتفاضة على هذا النحو المتصاعد لمدة 6 سنوات، قبل أن تنتهي بتوقيع اتفاقية "أوسلو" بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية، عام 1993.
وبحسب بيانات رسمية، تقدّر حصيلة الضحايا الفلسطينيين الذين استشهدوا بفعل الاعتداءات الإسرائيلية خلال انتفاضة الحجارة، بحوالي 1162 فلسطينيا، بينهم حوالي 241 طفلا، فيما أصيب نحو 90 ألفا آخرين.
واعتقلت قوات الاحتلال ما يقرب من 60 ألف فلسطيني من القدس والضفة والقطاع والفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 بالإضافة للأسرى العرب.
أما عن الاحتلال الإسرائيلي، بحسب بيانات سابقة صادرة عن مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، فقد قتل نحو 160 شخصا.