برعاية التربية والتعليم

ببصيرتهم..المكفوفون يشاركون في مخيمهم الصيفي الأول

غزة / مها شهوان

على شاطئ بحر غزة حيث الأمواج المتلاطمة التي تعانق السماء الصافية ، والرمال الصفراء التي يفترشها هؤلاء الأطفال الذي اختاروا أن يكون مخيمهم الصيفي الأول على ذلك الشاطئ ، فهذه الشريحة التي فقدت بصرها ولم تفقد بصيرتها جاءت لتعلن مشاركتها بمخيمها الصيفي الأول من نوعه, قاهرة الصعاب لممارسة جميع الأنشطة المختلفة, معبرة عن طاقاتها المكبوتة كباقي الأطفال.

وفي كل زاوية من زوايا المخيم  توجد حلقة يشارك من خلالها الأطفال بعضهم البعض لانجاز لوحة فنية جميله كالرسم على التحف أو إعداد بعض المجسمات الكرتونية الجميلة المزركشة بألوان زاهية.

المتنفس الوحيد

وفي إحدى زوايا المخيم تجلس الفتاة حنان أبو عيده ابنة الـ17 عاما وبالتحديد في زاوية الفنون التشكيلية ممسكة بيدها الصغيرة مزهرية تزركشها بألوان اختارتها بعناية وزوق رفيع يخيل انك ترى ما تلامسه بيدها لتضع بلمساتها الأخيرة على تلك المزهرية التي بمجرد النظر إليها تظن أنها مبصرة .

تقول حنان :"إجازتي الصيفية بالسنوات السابقة كانت مجرد أيام عاديه ، في بعض الأحيان أساعد أمي في الأعمال المنزلية ، إضافة إلى الاستماع للراديو أو التلفاز وكذلك القيام ببعض الزيارات العائلية التي كنت اذهب برفقة أمي إليها ".

أما عن المخيم تحدثت:" ما أن علمت أن المدرسة التي أتعلم فيها بدأت بالتسجيل لهذا المخيم حتى سارعت للالتحاق به، كي أشارك زميلات الدراسة في هذا المخيم " .

وأضافت أنها تعلمت أشياء كثيرة وجديدة خاصة في عالم الصحافة التي استمتعت بمحاضراتها حتى شجعتها للالتحاق بقسم الصحافة عند دخولها الجامعة ، لافته إلى أنها تود أن تعمل على تسليط الضوء تجاه المكفوفين وأنهم قادرين لان ليكونوا جزءا هاما بالمجتمع.  

ولفتت أبو عيده أنها شاركت بمخيم صيفي سابق فلم يعجبها الحال فقامت بالتوقف عن الذهاب إليه وذلك بسبب المضايقات التي كانت تتعرض إليها من قبل المشرفين أو المشاركين كونها كفيفة.

وأوضحت أن ثقتها بنفسها عالية والذي ساهم في ذلك معاملة أهلها لها فلم تشعر للحظة أنها تختلف عنهم ، فهم يعاملونها بأنها ليست حالة خاصة بل على العكس فهي تعاقب عندما تخطئ كباقي إخوتها.

ودعت الأهل بأن يعاملوا أبناءهم المكفوفين بأنهم أشخاص عاديين يمكنهم القيام بأي شي ، مضيفة أنهم في حالة معاملتهم معاملة خاصة سيتركون لهم المشاكل النفسية التي هم في غنى عنها.

والى الجانب منها تجلس أية صابر التي لم تكل أو تمل من الضحك لتعبر عن سعادتها التي تجدها وهي إلى جانب زملائها المكفوفين ، لتشير بأنها شاركت بعدة مخيمات بالسابق فلم تشعر بالسعادة بقدر فرحتها بالمشاركة بهذا المخيم كونه يمثل شريحة معينة تنتمي هي إليها.

أوضحت بأن إجازتها الصيفية اختلفت عن الإجازات الأخرى، حيث كان تقضى جل وقتها في السابق ما بين الأعمال المنزلية البسيطة أو الاستماع إلى التلفاز وزيارة الأقارب ، مضيفة أن المخيم جعلها تلتقي بزميلاتها بالدراسة لتشاركهم الأنشطة المختلفة التي تناسب كافة الأذواق.

أما الفتى مؤمن النجار عاماً يقول :" جاء هذا المخيم ليكون المتنفس الوحيد بالنسبة لي خاصة أنني كنت اذهب في كل صيف طارقا باب أي مخيم غير انه كان يغلق في وجهي كوني كفيف، مما كان يسبب لي بعض الإحراج والضيق .

وأشار إلى انه استمتع بالمخيم خاصة وانه على شاطئ البحر إضافة إلى فقراته الدينية والرياضية التي استمتع واستفاد منها .

وفي ركن آخر من المخيم وبالتحديد في زاوية المسرح، حيث المشاركون  فيها يتدربون على مسرحيتهم التي يودون عرضها في الحفل الختامي للمخيم ، فهؤلاء الفتيه لم تستطع الشك  تجاههم لحظة واحدة بأنهم فاقدي البصر فهم يتحركون بسهولة وكأنهم يدركون ما حولهم .

تقول ألاء منية "15عاما" وهي إحدى المشاركات بالمسرحية :" شعرت بالسعادة حينما علمت أن المخيم يشمل زاوية المسرح ، معتبرة أن المسرح هو وسيلة سهلة يمكن من خلالها إرسال المعلومة بشكل أسرع للجمهور".

وأضافت أن المخيم قد عاد عليها بفائدة كبيرة من المعلومات التي تلقتها من خلاله إضافة  للبرامج الترفيهية التي أعدها لهم المنشطون.

 

 

دور فعال

من جانبها ذكرت مديرة المخيم سهير مرتجي "للرسالة" بان هذا المخيم جاء تحت شعار" بإرادتنا نقهر الظلام ونصنع المستحيل" يعتبر انجازا مميزا جاء في ظروف صعبة كانت بمثابة المتنفس الوحيد لهؤلاء الطلاب بما اشتمل عليه من أنشطة تنمى مواهبهم وتقوي الجانب الخلقي والديني لهم ، مضيفة أن فكرة المخيم جاءت لاستغلال وقت الفراغ خاصة أثناء العطلة الصيفية لتلك الفئة .

وبينت أن المخيم يشتمل على عدة فقرات منها الدينية والترفيهية والرياضية والمسرح إضافة إلى زاوية الخبر الصحفي الصغير، إلى جانب العديد من الفقرات المتنوعة.

كما وأشارت بأنه تزامنا مع اختيار القدس عاصمة الثقافة العربية تم تقسيم الطلاب لمجموعات كل مجموعة تحمل اسم سور من أسوار القدس، معتبرة أن المنشطين كان لهم دورا بارزا في تعريف هؤلاء الطلاب بالقدس وأهميتها الدينية والسياسية.

وواصلت مرتجى:" سنكرر فكرة المخيم الصيفي الخاص بالمكفوفين كل عام حتى نشعر هؤلاء الأطفال بأنهم شريحة مهمة قادرة أن يكون لها دور فعال داخل المجتمع".

من جهته تحدث وكيل وزارة التربية والتعليم والمشرف على المخيم د.يوسف إبراهيم بأن المخيم يدل على مدى الإرادة الفلسطينية، وان الإنسان الفلسطيني لديه الإرادة والعزيمة القوية وذلك لم يقتصر على المبصرين بل و فاقدي البصر أيضا.

وأضاف: أن الإرادة تتحدى كل الصعاب رغم المعيقات التي حدثت خلال العام الدراسي إلا أن مدرسة النور والأمل أرادت أن تنجز عمل هذا المخيم لتحتفل بطلبتها، مشيرا أن الذي ساعد في انجاز هذا المخيم هو الإخلاص في إعداد الفكرة.

وفي ختام حديثه أشاد بتسمية المجموعات بأسوار القدس ، معتبرا أن الكفيف يشارك بالمقاومة والصمود بدعم هذه القضية من خلال دعم ثقافته للمسجد الأقصى الذي يهود في هذه الأيام، وان هذا المخيم لم يكن ترفيهيا بحتا بل وتربويا أيضا ليدل على الإرادة العالية لهذه الفئة.

فهذه هي شريحة من مجتمعنا الفلسطيني رغم فقدانها لبصرها استطاعت أن تفعل شيئا للترفيه عن نفسها بأدوات وأساليب بسيطة لتقول للجميع نحن هنا فهل من مجيب ومقدم يد العون لنا؟

 

 

البث المباشر