في ساحة "الشهيد محمد البوعزيزي" مُطلق الثورة في محافظة سيدي بوزيد (وسط)، ما زالت لافتته وعربته تتوسطان الساحة شاهدتين على الشرارة التي أطلقها يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، والتي تجاوزت حدود تونس لتكتب صفحةً جديدةً من تاريخ العالم العربي.
في مثل هذا اليوم قبل 10 سنوات، أحرق البوعزيزي نفسه أمام مقر المحافظة احتجاجًا على منعه من قبل السلطات المحلية من العمل كبائع خضار متجوّل، ففجّرت عملية انتحاره احتجاجات عمّت أنحاء البلاد وانتهت بالإطاحة بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011.
لا تبدو سيدي بوزيد اليوم وكأنها "شرارة الربيع العربي"، ولم تتغير فيها الأحوال، فبقي سكانها وشوارعها ومنازلها على حالها، وامتلأت مقاهيها بشبابها العاطل عن العمل، وهي حقيقة تكشفها الأرقام الرسمية بشأن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمحافظة.
فقر وبطالة
وبلغت نسبة الفقر في سيدي بوزيد 23.1% وفق تقرير خاص بخريطة الفقر في تونس أصدره المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع البنك الدولي في سبتمبر/أيلول الماضي، في حين قُدّرت نسبة البطالة فيها ب 15.4%، حسب آخر إحصائيات المعهد لسنة 2016.
كما كشف تقريرٌ صادرٌ عن لجنة التشغيل والاستثمار بالمجلس الجهوي بالمحافظة ارتفاع نسبة طلبات الشغل على قائمة الانتظار بنحو 90%، خلال النصف الأول من السنة الحالية.
ولم تخمد نار التحركات الاجتماعية في سيدي بوزيد المطالبة بالتنمية العادلة والتشغيل، حيث احتلت المرتبة الثالثة وطنيًّا في قائمة المحافظات الأكثر احتجاجا من الأول من يناير/كانون الثاني إلى 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضييْن بـ 885 تحركًا احتجاجيًّا، بحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمّةٌ حقوقيّةٌ مستقلّةٌ).
وتعكس هذه الأرقام الرسمية شعور عدم الرضا الذي ينتاب نسبة هامة من شباب سيدي بوزيد الذي خرج وصدحت حناجره يوما بشعار "شغل حرية كرامة وطنية".
الحرية فقط
يقول المدوّن والمصور فاروق الصماري (37 سنة) للجزيرة نت إن حال سيدي بوزيد تأزمت أكثر بعد مرور 10 سنوات على الثورة، وإنه لم تتحقق لهم سوى الحرية "التي أصبحت اليوم مهددّةً مجدّدًا".
ويشدد على أن ارتفاع نسب البطالة والفقر في المحافظة دليل على المظلمة الكبيرة التي تتعرض لها المدينة، وكأن سيدي بوزيد "ثارت ضد نفسها"، حسب تعبيره.
وبالنسبة للصماري، فإن الإشكال ليس في الموارد بل في عدم امتلاك الشباب السلطة لتنفيذ القرارات ولتحقيق أهداف الثورة، محملا ما وصفها بالرأسمالية الفاسدة في سيدي بوزيد مسؤولية تراجع المحافظة على كل المستويات.
نفس ثوري
ولكن شعور الغضب لم يمنع فاروق من مواصلة الحلم بتحقيق ما ثار من أجله وشباب محافظته ومن الإصرار على عدم الاستسلام، فهم "أصحاب النفس الثوري وواعون بمحاولات دفن الثورة ووأد أحلام الشباب"، كما يؤكد.
هذا الشباب، يقول مروان غربي (36 سنة) -عامل على حساب الحظيرة الظرفية منذ 10 سنوات- "انقسم بين من توفي خلال أحداث الثورة، أو منتحرًا، وبين من ركب قوارب الموت وهاجر بطريقة غير نظامية، وبين شباب مغيب فكريا أو عن طريق المخدرات ففقد الرغبة في التفكير وفي حبّ البلاد لأنه لم يتحصل على أي شيء طيلة 10 أعوام".
قوة تغيير
وينفي غربي -في تصريحه للجزيرة نت- عنهم أي توجه سياسي أو حزبي، ويؤكد أن هدفهم الوحيد هو تغيير أوضاع سيدي بوزيد إلى الأفضل وإثبات أنهم قوة تغيير "وليسوا "بلطجيّة يحتجون في جنح الظلام ويهاجمون المقرات الأمنية كما تعتبرهم السلطة".
وذكّر بالمشاريع المعطلة والتي بقيت حبرًا على ورق من بينها مشروع سوق الإنتاج الكبرى المعطل منذ سنة 2012 ومشروع المستشفى الجامعي إلى جانب البنية التحتية المتردية جدًّا التي تنفّر المستثمرين.
بدوره، يرى مروان أن "لوبيات الفساد ورؤوس الأعمال التي تحتكر المشهد والاستثمار في سيدي بوزيد هي من تعطل إنجاز المشاريع فيها".
ويؤكد أن الأمل في التغيير لن ينقطع وأن الإيمان لا يزال راسخًا بأن الثورة ستُستكمل رغم "الشرذمة" التي تشتم سيدي بوزيد والثورة والتي هي أول المستفيدين منها.
عقوبة سيدي بوزيد
من جهته، يلخّص المدون هاني علي (30 سنة) -متحصل على الإجازة الأساسية في الإنجليزية عاطل عن العمل- مشاكل سيدي بوزيد في البيروقراطية المسيطرة على الإدارات والتي تعرقل الشباب في بعث مشاريعهم الصغرى.
ويعتبر أن سيدي بوزيد "معاقبة منذ الاستقلال من خلال المنوال التنموي الفاشل الذي يميّز المناطق الساحلية على حساب المناطق الداخلية"، لافتا إلى أن "أكثر فئة تحارب الثورة اليوم هي أكثر فئة تعتاش منها وتقطف ثمارها من سياسيين ورجال أعمال".
ويستدرك في حديثه للجزيرة نت، "سنقاتل من أجل الثورة حتى آخر نفس، وغبيٌّ من يظن أنها قابلةٌ للهزيمة حتى وإن لم تتحقق أهدافها اليوم ستتحقق مع الأجيال القادمة".
يشار إلى أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد أعلن خلال إحيائه الذكرى التاسعة للثورة العام الماضي في سيدي بوزيد، تاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول من كل سنة عيدا وطنيا للثورة التونسية، حيث لم يكن كذلك قبل قرار سعيّد.
المصدر : الجزيرة