يصادف اليوم الذكرى السنوية الثانية عشر لاستشهاد الدكتور نزار ريان، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، وأحد أبرز قياداتها، حيث استشهد و16 من عائلته بقصف الاحتلال منزله بمخيم جباليا خلال حرب غزة الأولى 1/1/2009.
هم كذلك أهل الله وخاصته، رجال لا يعرفون إلى اليأس طريقا، ولا إلى الخضوع مسلكا، ولا إلى التنازل تفكيرا، ولا عن الثوابت تفريطا، رجال زرع الله كبرياءهم بيده، ووضع فيهم حب الوطن الفلسطيني السليب، وصقل بهم حب الجهاد إلى يوم الدين، فكانوا بحق استمرارا لنهج خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، فحملوا سنام الإسلام، ومضوا بأرواحهم إلى حيث الخلود.
العالم الجليل والمفكر الكبير ورجل الحديث وصاحب الرأي السديد الدكتور الشهيد نزار ريان، فارس تحمل أمانة الكلمة والجهاد، ورجل أحب الصدق مع الله فصدقه الله، فغرس شهيدنا أبا بلال قواعد ثابتة تحمل لمساته إلى يوم الدين، وأثبت للجميع أن قادة حماس ما بدلوا تبديلا، فمنم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وطلب من العلي القدير شهادة يختم بها حياته، فرزقه الله شهادة بصحبة عائلته، ليكون صادقا مع الله ثم مع نفسه حتى الرمق الأخير، ولتطوي معركة الفرقان حياة أسد هصور، ومجاهد كبير، ورجل علم رفيع، ومحدث لطالما حدث الكثير، وشهيد أفضى إلى الله ما قدم.
ولادته وتعليمه
في السادس من شهر مارس لعام 1959م، أطل النور وبزغ فجر يوم جديد، معلنا ولادة طفل جديد، يواصل المرحلة، لم يكن الصهاينة يعلموا أن هذا الطفل، سوف يقض مضاجعهم في يوم من الأيام، ويخرج الاستشهاديين، ويصبح قائدا عظيما، وعالما ربانيا لم يسبقه أحد في كل قطاع غزة، لم يكن الصهاينة يعلموا أن هذا الطفل سيكبر يوما، ويصبح أخطر داعية عليهم، يثبت المجاهدين، ويساندهم في كل وقت وفي كل حين، فنشأ شهيدنا بين أحضان أسرة محافظة، حيث منذ صغره عشق حب الجهاد والاستشهاد في سبيل الله عز وجل، ومنذ الصغر كره الظلم، وأحب الانتقام من القتلة المجرمين، قتلة الأطفال والشيوخ والنساء، ومنذ الصغر كان يتطلع لأن يصبح شيخا ومجاهدا من أجل إعلاء راية الدين خفاقة فوق ربوع كل الدنيا.
سكن شهيدنا المجاهد مخيم جباليا بجوار مسجد الخلفاء الراشدين بعدما هُجرت عائلته من قرية نعليا بعد الحرب الإسرائيلية عام 1948م، ومن ثم تربى هناك في أسرة محافظة، وكان مطيعا لوالديه، وأحبه الجميع الكبير والصغير، جيرانه وأهله ومحبوه ، وكان يتحلى بأفضل الأخلاق وحاز على إعجاب الجميع و شهيدنا العالم الرباني والشيخ الدكتور، هو متزوج من أربع سيدات، وله ست أولاد ذكور، وست بنات وحفيدان.
رجل من زمن الصحابة
عشق الشيخ القسامي الجهاد منذ الصغر، وأحب العلم أيضا، أحب الانتقام من الاحتلال، وبدأ بالعمل ليل نهار في خدمة الدين، وتمنى أن يكون جنديا في صفوف الدعوة الإسلامية المجاهدة، لينصر هذا الدين وينصر المستضعفين، ويرفع راية الحق عاليا، ويغيظ الظالمين، ويكيد المعتدين.
فعمل الشيخ أبو بلال، إماما وخطينا متطوعا في مسجد الخلفاء الراشدين، بمخيم جباليا من العام 1985م حتى العام 1996م، ونشأ في أحضان الدعوة الإسلامية، واعتقل عدة مرات من قبل الاحتلال لنحو أربع سنوات، كما اعتقل من السلطة في قطاع غزة عدة مرات، وعذب في سجونهم عذابا شديدا.
وكان الشيخ الشهيد، هو الأب لكل أبناء مسجد الخلفاء الراشدين، يتفقد أحوالهم، ويساعدهم في حل مشاكلهم، ويحنو عليهم، فكان نعم الأب ونعم الشيخ الشهيد الشيخ نزار ريان.
وكان كالحمامة في المسجد يتنقل بين أروقة المسجد، ويعقد الدورات والخطب ويشرف على حلقات القرآن، ويشرف على توزيع الأشرطة والمطويات الدينية والإسلامية على الناس لحثهم على الالتزام بطاعة الله عز وجل، والبذل والعطاء من أجل هذا الدين.
والمجاهد التي كانت روحه معلقة بمسجد الخلفاء الراشدين، قد جمع التبرعات لإعادة بناء المسجد، ليصبح قلعة للعلم وللدين، وصمم على ذلك، وبالفعل بدأ في المشروع الكبير، وقطع شوطا كبيرا في ذلك قبل أن تقوم الطائرات الصهيونية بقصفه في نفس اليوم الذي ارتقى فيه.
وعلى المستوى السياسي، كان الشيخ نزار ريان عضو القيادة السياسية لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
حياته العلمية
حصل الشهيد المجاهد على شهادة البكالوريوس في أصول الدين من الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سنة 1402هـ وتتلمذ على جمع من أبرز مشايخها كشيخه المحبب الشيخ عبد الرحمن البراك وكانت له دراسة على الشيخ بن جبرين.
وعمل بعدها في الجامعة الإسلامية معيداً، مدة ست سنوات ومن ثم حصل على درجة الماجستير من كلية الشريعة الغراء بالجامعة الأردنية بعمان في الأردن في تخصص الحديث الشريف، كما كتب في "الشهادة والشهيد" فجمع أحاديثهم من مطلق كتب السنة النبوية، وصنفتها موضوعياً، وخرجها، وحكم عليها بدرجتها، وذلك سنة: 1990 بتقدير ممتاز.
وامتن الله عليه فنال درجة الدكتوراه من السودان، بجامعة القرآن الكريم وكتب الرسالة عن "مستقبل الإسلام -دراسة تحليلية موضوعية" سنة: 1994 بتقدير ممتاز وحصل على رتبة الأستاذ المشارك سنة 2001 كما حصل على رتبة الأستاذية سنة 2004.
التدرج الوظيفي:
1. عمل معيدًا بكلية أصول الدين اعتبارًا من27/2/1984 وحتى31/8/1990.
2. عمل مدرسًا بقسم الحديث الشريف بكلية أصول الدين اعتبارًامن1/9/1990حتى21/8/1994
3. عمل أستاذًا مساعدًا بقسم الحديث الشريف بكلية** **أصول الدين اعتبارًا من22/8/1994 وحتى12/10/1999.
4. عمل أستاذًا مشاركًا بقسم** **الحديث الشريف بكلية أصول الدين اتبارًامن13/10/1999 حتى5/7/2004.
5. عمل أستاذًا بقسم الحديث الشريف بكلية أصول الدين اعتبارًا من 6/7/2004 . - عمل مساعدًا نائب رئيس الجامعة للشئون الأكاديمية من تاريخ1/9/2001
6. وحتى15/8/2003. – رئيساً قسم الحديث الشريف، بكلية أصول الدين.
كما له العديد من البحوث والدراسات الفقهية وغيرها، كما أشرف على الكثير من رسائل الماجستير، فكانت حياته كلها جهاد وعلم وعمل للإسلام والمسلمين، وسيبقى ينتفع الطلاب والناس من علم الشيخ إلى يوم الدين، فرحم الله شيخنا العالم.
أستاذ المجاهدين ومرسل الاستشهاديين
منذ اللحظة الأولى لانخراط الشيخ في الدعوة الإسلامية، والشيخ الشهيد منخرط في الحياة الجهادية، فكان يرابط على الثغور، ولا سيما المناطق المتقدمة، وكان يرفض أن يرابط بين البيوت السكنية، ورغم انشغاله في مكتبته الضخمة بالبحوث الهامة، والتي كان يقضي الكثير من وقته فيها، ورغم عمله بالسياسة، إلا أنه كان لا يترك يوما واحدا في رباطه، وكان يحافظ على ذلك اليوم حتى مماته، وكان الشيخ رحمه الله يتفقد مواطن الرباط ، ويساعد المرابطين، ويجمع لهم التبرعات، ويساندهم عند أي اجتياح صهيوني، ففي أيام الغضب كان الشيخ يقضي معظم أوقاته مع المرابطين، يحثهم على الجهاد، ويشحذ هممهم، ويحبب إليهم الشهادة في سبيل الله عز وجل .
كما كان الشيخ المجاهد نزار ريان هو من أرسل ابنه إبراهيم لتنفيذ عملية استشهادية في يوم2/10/2001م، هو ومجاهد آخر، فمكن الله المجاهدين من اقتحام المغتصبة الصهيونية وقتلوا عدة صهاينة في العملية، وارتقى الشهيدان إلى بارئهما، فشيخنا هو من دفع ابنه إلى الشهادة في سبيل الله عز وجل، فقدم الوقت والمال والتعب والجهد والابن في سبيل الله عز وجل.
وكان رحمه الله يشجع المجاهدين على الجهاد، ويحثهم عبر خطبه الجهادية، والتي جعلت الناس يعشقون الجهاد والشهادة في سبيل الله، حتى سارع الكثيرون إلى الانضمام إلى هذه الدعوة الغراء، والدخول إلى ساحات الجهاد في سبيل الله عز وجل.
وفي اجتياح الاحتلال مخيم جباليا مطلع انتفاضة الأقصى، فيما يعرف بـ "أيام الغضب"، كان للشيخ الشهيد صولات وجولات في هذه المعركة، التي انتهت بانسحاب الاحتلال عن شمال غزة، فكان يقف جنبا إلى جنب مع المجاهدين، يتفقد مواطن رباطهم، ويساندهم، ويقتسم الرصاص معهم، ويحثهم على التضحية ويشجعهم على القتال وملاقاة العدو.
وبرغم مرض الشيخ العالم، واصل جهاده في سبيل الله عز وجل، وفي فترة من الفترات، طالبت القوات عبر اتصال، صاحب أحد بيوت المجاهدين بإخلاء البيت استعدادا لقصفه، فسارع الشيخ إلى الصعود إلى منزل هذا المجاهد، لكي لا يتم قصفه ودعا الناس إلى ذلك فشاركه الكثيرون من أبناء المخيم في ذلك، وحمى في ذلك اليوم بيت المجاهد من القصف، وتكررت العميلة كثيرا وكان في كل مرة يصعد الشيخ على المنازل المهددة بالقصف فهو أول من سن ذلك للناس حماية لبيوت المجاهدين.
رحيل العالم الجليل
في السابع والعشرين من شهر ديسمبر لعام 2008م شن الطيران الحربي الإسرائيلي أكثر من ستين غارة في لحظة واحد، على مواقع الشرطة الفلسطينية في غزة، ومواقع كتائب القسام، مما أدى إلى استشهاد المئات من أفراد الشرطة والقسام والمدنيين، وكانت بداية لحرب كبيرة أطلق عليها الاحتلال "الرصاص المصبوب" فيما أطلقت عليها كتائب القسام "حرب الفرقان".
وبعد الضربة الأولى، بدأ الاحتلال في قصف بيوت غزة، واشتهرت وقتها الصواريخ التحذيرية، حيث كان الاحتلال يمهل سكان المنزل مدة عشر دقائق للخروج منخ، ومن ثم قصف البيت كاملا بطائرات f16 .
وفي مطلع عام 2009، بتاريخ 1/1/2009، قرر الاحتلال قصف بيت الدكتور نزار ريان، ولكن الشيخ رفض أن يخرج من بيته، في محاولة منه لمواصلة حماية بيوت غزة بأجساد سكانها، وبقي الشيخ في منزله مع زوجاته الأربعة وأبنائه، وبعد دقائق قصف البيت على 16 شخصا من آل ريان، واستشهدوا جميعا في ضربة غادرة، لتشهد غزة على مجزرة جديدة من مجازر الاحتلال.