قضى حياته عالمًا مجتهدًا في الحديث الشريف، تاركًا بصمةً في ميادين الجهاد والمقاومة، لا تزال واضحة في علمه ونهجه وجهاده، إنه الشهيد المجاهد نزار ريان.
ويمر اليوم الأول من يناير ذكرى استشهاد العالم المجاهد الشيخ نزار ريان، الذي استشهد مع زوجاته الأربع وأحد عشر من أبنائه في قصف طائرات الاحتلال الحربية لمنزله في معركة الفرقان عام 2009م.
النشأة والتكوين
ولد الدكتور العالم نزار عبد القادر محمد ريَّان في السادس من مارس عام 1959م في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وتعود أصول أسرته لقرية نِعِلْيَا قضاء عسقلان التي هُجرت منها خلال نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948م.
أنهى دراسته الأساسية في مدارس مخيم جباليا، ثم التحق بقسم أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض عام 1982م، وحصل منها على شهادة البكالوريوس، ثم عمل معيدًا في الجامعة الإسلامية لمدة ست سنوات، وعمل إمامًا وخطيبًا متطوعًا في مسجد الخلفاء بمعسكر جباليا منذ 1985-1996م.
نال درجة الماجستير من كلية الشريعة في الجامعة الأردنية في عمان في تخصص الحديث الشريف عام 1990، ثم أكمل درجة الدكتوراه من جامعة القرآن الكريم في السودان عام 1994م، وأشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه بعد أن حصل على درجة الأستاذية في الحديث الشريف.
العالم المجاهد
لم يكتف الشيخ نزار ريان بعلومه الشرعية في خدمة وطنه ودينه، بل شارك في ميادين الجهاد، وكان يقود طليعة المجاهدين على الثغور، ويبث فيهم روح العزيمة والثبات، ويقوم الليل معهم في ميدان الرباط.
كما أضفى طابعًا خاصًا على المناورات العسكرية لكتائب القسام، حين يتقدم ركبهم ببدلته العسكرية يحثهم على الجهاد، ويحبب إليهم الشهادة.
وكان للدكتور دور في التصدي لاجتياح قوات الاحتلال لشمال قطاع غزة عام 2004م، وخاض صولات وجولات في معركة أيام الغصب.
"لن يدخلوا معسكرنا يعني لن يدخلوا معسكرنا"، كانت هذه إحدى أشهر كلماته خلال رباطه على ثغور مخيم جباليا وهو يمتشق سلاحه ويتقدم صفوف المرابطين في معركة أيام الغضب عام 2004م، ونجح مع إخوانه المجاهدين في إفشال اجتياح المخيم، وألحقوا بجيش الاحتلال هزيمة نكراء.
بيمناه يَخُطُ علمه وبيساره يمتشق السلاح، ظهر العالم المجاهد نزار ريان مترجلاً بقاذف الأر بي جي في معركة أيام الغضب مخاطبًا الاحتلال "من معسكر جباليا وكما مرغنا أنفك في أسدود سنمرغ أنفك في جباليا"، فكان رجل المحراب والميدان الذي طالما أذل الاحتلال بعلمه وجهاده.
ودأب العالم المجاهد على تقدم صفوف الجهاد والتضحية، وقدم نجله إبراهيم شهيدًا بعملية فدائية في مغتصبة (إيلي سيناي)، عام 2001 قُتل فيها 3 من جنود الاحتلال، وأصيب 17 آخرون، وكانت هذه أول عملية اقتحام لمغتصبة إسرائيلية في قطاع غزة تنفذها المقاومة الفلسطينية.
وحين استخدمت قوات الاحتلال سياسة قصف البيوت، قاد شيخنا مبادرة جريئة لحماية بيوت المجاهدين بالتجمهر فوق أسطحها، في محاولة لمنع الاحتلال من هذه السياسة.
اعتقله الاحتلال عدّة مرات، ليقضي في سجونه نحو أربع سنوات، كما اعتقلته السلطة مرات عديدة وعُذِّب في سجونها.
وتمتع شيخنا بشعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني، واشتهر بالتصاقه الشديد بالحياة اليومية للمواطنين، وشارك الوسط الذي يعيش فيه، وكان أحد رجال الإصلاح في قطاع غزة.
وكان صاحب بصمة في كل مكان، فتشهد له ثغور الرباط على حدود قطاع غزة التي دأب على الرباط فيها، ليحيي ليله مرابطًا مجاهدًا، فيما هو في النهار عالم يتجول بين مجلدات العلم في مكتبته التي كانت تضم ما يزيد على خمسة آلاف مجلد ومرجع شرعي.
استشهاده
استشهد شيخنا المجاهد في الأول من يناير عام2009م، خلال معركة الفرقان، حيث قررت قيادة الاحتلال قصف منزله، لكنه رفض الخروج منه، كيف وهو الذي كان يقف على أسطح بيوت المجاهدين لحمايتها، ليبقى الدكتور في منزله حتى قصفته طائرات الاحتلال ليرتقي مع زوجاته الأربع وأحد عشر من أبنائه.
مضى الشيخ ريان شهيدًا، راسمًا النموذج الفريد الذي زاوج فيه بين العلم والدعوة إلى الله، وبين الجهاد والمقاومة والعمل السياسي، ليواصل مسيرته تلاميذُه من أهل العلم والمجاهدين على المنهج ذاته والطريق ذاته.